عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا مُسْلِمًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ زَوْجُهَا قَبْلَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مُسْلِمَةً كَانَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حَتَّى يُسْلِمَ الْآخَرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ الْمُسْلِمُ فَيَكُونَا عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّكَاحِ كِتَابِيَّةً، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّارَ فِي هَذَا وَغَيْرَ الدَّارِ سَوَاءٌ؟ قِيلَ «أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَرٍّ وَهِيَ دَارُ خُزَاعَةَ وَهِيَ دَارُ إسْلَامٍ وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كَافِرَةٌ مُقِيمَةٌ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ كُفْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هِنْدٌ فِي الْعِدَّةِ فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّكَاحِ» وَأَسْلَمَ أَهْلُ مَكَّةَ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ «وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَهُمَا مُقِيمَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا إلَى نَاحِيَةِ الْبَحْرَيْنِ بِالْيَمَنِ يَجُوزُ وَهِيَ دَارُ كُفْرٍ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَا وَأَزْوَاجُهُمَا فِي الْعِدَّةِ فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ» وَلَا أَنْ يَكُونَ يَرْوِي حَدِيثًا يُخَالِفُ بَعْضَهُ وَإِذَا خَرَجَتْ أُمُّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ مُسْلِمَةً لَمْ تُنْكَحْ حَتَّى يَنْقَضِيَ اسْتِبْرَاؤُهَا وَهِيَ حَيْضَةٌ لَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ مُخَالِفَةٌ لِلزَّوْجَةِ أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ فَقَدْ عَتَقَتْ «أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ الطَّائِفِ خَرَجُوا مُسْلِمِينَ وَسَأَلَ سَادَاتُهُمْ بَعْدَمَا أَسْلَمُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلَمْ يَرُدَّهُمْ وَلَمْ يُعَوِّضْهُمْ مِنْهُمْ. غَيْرَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مِنْ عَبْدٍ فَهُوَ حُرٌّ» فَقَالَ إذَا قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَعْتَقَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ أَجْعَلُهُمْ عَلَى الرِّقِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْتِقُونَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ إذَا خَرَجَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَهِيَ حُرَّةٌ وَلَوْ سَبَقَتْ سَيِّدَهَا الْحُرَّةُ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ رِقِّ حَالِ الْمَسْبِيَّةِ اُسْتُؤْمِيَتْ وَاسْتِرْقَاقُهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ انْفِسَاخِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَلَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبْيِ هَوَازِنَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا أَوْ لَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ تَخْرُجُ مَمْلُوكَةً فَتَصِيرَ حُرَّةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ هَذِهِ تُسْتَرَقُّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَتِلْكَ تَعْتِقُ بَعْدَ الرِّقِّ.
الْحَرْبِيَّةُ تُسْلِمُ فَتُزَوَّجُ وَهِيَ حَامِلٌ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَامِلًا فَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا فَاسِدٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ذَلِكَ فِي السَّبَايَا فَأَمَّا الْمُسْلِمَاتُ فَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ أَحَقُّ بِهِنَّ إذَا أَسْلَمُوا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ تَزَوُّجَهُنَّ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا قَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا عَلَى السَّبَايَا عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ» قَالَ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمَاتُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا لَمْ تُوطَأْ بِالْمِلْكِ حَتَّى تَضَعَ وَإِنْ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً فَنُكِحَتْ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَإِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ الْعِدَّةُ وَهَذِهِ مُعْتَدَّةٌ وَهَذِهِ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute