كَفَّارَةُ يَمِينِ الْعَبْدِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -):، وَإِذَا حَنِثَ الْعَبْدُ فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ عَبْدًا وَنِصْفُهُ حُرًّا، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجْزِهِ الصِّيَامُ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ مِمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْمَالِ مِمَّا يُصِيبُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ صَامَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -):، وَإِذَا حَنِثَ الْعَبْدُ، ثُمَّ عَتَقَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ، وَلَوْ صَامَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ حَنِثَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الصِّيَامِ.
مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ نَذَرَ تَبَرُّرًا أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَمْشِيَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا نَذَرَ كَمَا نَذَرَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ كَمَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَلَا يُطِيقُ الْقُعُودَ فَيُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ النَّاسَ أَصْلَحُوا أَمْرَ الْحَجِّ بِالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ وَلَمْ يُصْلِحُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالصَّلَاةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَحَنِثَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ تَجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْيَمِينَ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ هَذَا قَوْلُك يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ هَذَا هُوَ قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي قَالَ وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَعْقُولُ مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ إنَّ كُلَّ مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ النُّسُكِ صَوْمٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لِلَّهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِفَرْضٍ يُؤَدِّيهِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَوْ تَبَرُّرًا يُرِيدُ اللَّهَ بِهِ.
فَأَمَّا عَلَى غَلْقِ الْأَيْمَانِ فَلَا يَكُونُ تَبَرُّرًا وَإِنَّمَا يَعْمَلُ التَّبَرُّرَ لِغَيْرِ الْغَلْقِ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُ عَطَاءٍ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ إذَا نَذَرَهُ مُتَبَرِّرًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ شَفَى اللَّهُ فُلَانًا، أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ قَضَى عَنِّي دَيْنًا، أَوْ كَانَ كَذَا أَنْ أَحُجَّ لَهُ نَذْرًا فَهُوَ التَّبَرُّرُ، فَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَقْضِك حَقَّك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مِنْ مَعَانِي النُّذُورِ وَأَصْلُ مَعْقُولِ قَوْلِ عَطَاءٍ فِي مَعَانِي النُّذُورِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهَذَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ شَفَانِي، أَوْ شَفَى فُلَانًا أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي، أَوْ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَمَنْ قَالَ هَذَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي السَّائِبَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّذْرَ فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ كَفَّارَةً.
وَكَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَفِيَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ