وَدَلَالَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ بِالسَّلَفِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَمَوْجُودٌ فِي أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا أَذِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَكُونُ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي صِفَتِهِ سَوَاءً (قَالَ): وَإِذَا وَقَعَ السَّلَفُ عَلَى هَذَا جَازَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُحَاطُ بِصِفَتِهِ: لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا أَذِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا تَبَايُعُ النَّاسِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عَلَى مَعْنَى مَا وَصَفْت بَيِّنٌ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمِيزَانَ يُؤَدِّي مَا اُبْتِيعَ مَعْلُومًا وَالْمِكْيَالُ مَعْلُومٌ كَذَلِكَ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَنَّ مَا كِيلَ ثُمَّ مَلَأَ الْمِكْيَالَ كُلَّهُ وَلَمْ يَتَجَافَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ يَمْلَأُ الْمِكْيَالَ وَمِنْ الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ جَازَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُكَالَ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمِكْيَالُ يُرَى مُمْتَلِئًا وَبَطْنُهُ غَيْرُ مُمْتَلِئٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمِكْيَالِ مَعْنًى وَهَذَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ التَّجَافِيَ يَخْتَلِفُ فِيهَا يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ فِي السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَاهُ مَعًا (قَالَ): وَمَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ نَهَاهُمْ عَنْ السَّلَفِ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَمَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالتَّمْرُ يَكُونُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ لَا يَكُونُ فِي السَّنَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا مَوْجُودًا وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي حِينٍ مِنْ السَّنَةِ دُونَ حِينٍ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا السَّلَفَ فِي الرُّطَبِ فِي غَيْرِ حِينِهِ إذَا تَشَارَطَا أَخْذَهُ فِي حِينٍ يَكُونُ فِيهِ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ السَّلَفَ فِي السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ فِي السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي أَكْثَرِ مُدَّتِهِمَا، وَلَا يُسَلِّفُ فِي قَبْضَةٍ، وَلَا مُدٍّ مِنْ رُطَبٍ مِنْ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهِ الْآفَةُ، وَلَا يُوجَدُ فِي يَوْمٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَإِنَّمَا السَّلَفُ فِيمَا كَانَ مَأْمُونًا وَسَوَاءٌ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا فِي مُدِّ رُطَبٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ أَجَزْته فِي أَلْفِ صَاعٍ إذَا كَانَ يُحْمَلُ مِثْلُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي هَذَا.
بَابُ السَّلَفِ فِي الْكَيْلِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لَا دَقَّ، وَلَا رَذْمَ، وَلَا زَلْزَلَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): مَنْ سَلَّفَ فِي كَيْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدُقَّ مَا فِي الْمِكْيَالِ، وَلَا يُزَلْزِلُهُ، وَلَا يُكْنِفُ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ فَلَهُ مَا أَخَذَ الْمِكْيَالُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلِ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ فِي الْمِكْيَالِ مِثْلُ مَا تَخْتَلِفُ خِلْقَتُهُ وَيَعْظُمُ وَيَصْلُبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْقَى فِيمَا بُيِّنَ لَك خَوَاءً لَا شَيْءَ فِيهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي كَمْ أَعْطِي وَكَمْ أَخَذَ إنَّمَا الْمِكْيَالُ لَيُمْلَأُ وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يُسَلِّفْ فِيهِ إلَّا وَزْنًا، وَلَا يُبَاعُ أَيْضًا إذَا كَانَ هَكَذَا كَيْلًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا بِيعَ كَيْلًا لَمْ يُسْتَوْفَ الْمِكْيَالُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ بِمِكْيَالٍ قَدْ عُطِّلَ وَتُرِكَ إذَا كَانَ مَعْرِفَتُهُ عَامَّةً عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ عَدْلَانِ يَعْرِفَانِهِ أَوْ أَرَاهُ مِكْيَالًا فَقَالَ تَكِيلُ لِي بِهِ لَمْ يَجُزْ السَّلَفُ فِيهِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلِكُ، وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيَخْتَلِفَانِ فِيهِ فَيَفْسُدُ السَّلَفُ فِيهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَفْسَدَ السَّلَمَ فِي هَذَا وَأَجَازَهُ فِي أَنْ يُسَلَّفَ الشَّيْءُ جُزَافًا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَا خَبَرَ فِي السَّلَفِ فِي مَكِيلٍ إلَّا مَوْصُوفًا كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَاتِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ. .
.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute