للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُعْطِيهَا، أَوْ عَلَى صُلْحٍ أُجَدِّدُهُ عُوقِبَ، وَلَمْ يُقْتَلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِقَتْلٍ، أَوْ قَوَدٍ فَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا مِنْ الْفِعْلِ، أَوْ الْقَوْلِ وَكُلُّ قَوْلٍ فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْتَلُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ فَعَلَ، أَوْ قَالَ مَا وَصَفْنَا وَشَرَطَ أَنَّهُ يَحِلُّ دَمُهُ فَظَفِرْنَا بِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ أَسْلَمَ، أَوْ أَعْطَى جِزْيَةً قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا.

الصُّلْحُ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} قَالَ: فَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا مَعْلُومًا ثُمَّ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهَا مَعْلُومٌ فَأَمَّا مَا لَمْ يُعْلَمْ أَقَلُّهُ، وَلَا أَكْثَرُهُ، وَلَا كَيْفَ أَخَذَ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ الْوُلَاةِ لَهُ، وَلَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فَلَيْسَ فِي مَعْنَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نُوقَفُ عَلَى حَدِّهِ.

أَلَا تَرَى إنْ قَالَ: أَهْلُ الْجِزْيَةِ نُعْطِيكُمْ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ دِرْهَمًا وَقَالَ: الْوَالِي بَلْ آخُذُ مِنْكُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِينَارًا لَمْ يَقُمْ عَلَى أَحَدٍ هَذَا، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَسْتَنَّ فِيهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَأْخُذُ بِأَقَلَّ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَكُونُ لِوَالٍ أَنْ يَقْبَلَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَا يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مَعْلُومَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَخَذَهَا دِينَارًا وَازْدَادَ فِيهَا ضِيَافَةً فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ مِثْلَهُ وَأَخَذَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كِسْوَةً وَأَعْلَمَنِي عُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِهَا أَنَّهَا تَتَجَاوَزُ قِيمَةُ دِينَارٍ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْآيَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ لَا عَلَى بَعْضِ الْبَالِغِينَ دُونَ بَعْضٍ مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَعْنَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ بِلَا ثَنْيٍ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ مِنْ عُرُوضٍ وَدُورٍ كَغَلَّةٍ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُونَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مُقِرِّينَ عَلَى دِينِهِمْ بِلَا جِزْيَةٍ، وَلَمْ يُبَحْ هَذَا لَنَا، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِهِمْ خَلِيًّا مِنْ الْجِزْيَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَضْعِيفَ صَدَقَةٍ، أَوْ عُشْرٍ أَوْ رُبْعٍ، أَوْ نِصْفٍ، أَوْ نِصْفِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ أَثْلَاثِهَا، أَوْ ثِنْيٍ أَنْ يُقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ مِنْكُمْ مَالٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرَطُوا لَهُ مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ قِيمَتُهُ دِينَارًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَجِبُ فِيهِ مَا شَرَطَ، أَوْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ، أَوْ تَمَامُ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا اخْتَرْت هَذَا أَنَّهَا جِزْيَةٌ مَعْلُومَةُ الْأَقَلِّ وَأَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ خَلِيٌّ مِنْهَا قَالَ: وَلَا يَفْسُدُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ الْبُيُوعُ كَمَا لَمْ يَفْسُدْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ، وَقَدْ تَتَابَعَ عَلَيْهِمْ فَتَلْزَمُهُمْ وَتَغِبُّ فَلَا تَلْزَمُهُمْ بِإِغْبَابِهَا شَيْءٌ.

قَالَ وَلَعَلَّ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ صَالَحَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ وَأَدْخَلَ هَذَا الشَّرْطَ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَبَى أَنْ يُقِرَّ الْعَرَبُ إلَّا عَلَى الْجِزْيَةِ فَأَنِفُوا مِنْهَا، وَقَالُوا تَأْخُذُهَا مِنَّا عَلَى مَعْنَى الصَّدَقَةِ مُضَعَّفَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ فَأَبَى فَلَحِقَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بِالرُّومِ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَجَابَهُمْ إلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ فَصَالَحَهُ مَنْ بَقِيَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ الثَّنِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>