للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَهْلَكْتُ مَالًا عَظِيمًا أَوْ قَالَ عَظِيمًا جِدًّا أَوْ عَظِيمًا عَظِيمًا فَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ وَيُسْأَلُ مَا أَرَادَ. فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالِ عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ مَالًا صَغِيرًا أَوْ صَغِيرًا جِدًّا أَوْ صَغِيرًا صَغِيرًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعِهَا يَقَعُ عَلَيْهِ قَلِيلٌ. قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} وَقَلِيلُ مَا فِيهَا يَقَعُ عَلَيْهِ عَظِيمُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.

وَكُلُّ مَا أُثِيبَ عَلَيْهِ وَعُذِّبَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ كَثِيرٍ، وَهَكَذَا إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ وَسَطٌ أَوْ لَا قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا جَازَ فِي الْكَثِيرِ كَانَ فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْهُ أَجْوَزُ وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ قَلِيلٌ. وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ إلَّا مَالًا قَلِيلًا.: كَانَ هَكَذَا، وَلَا يَجُوزُ إذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي مَالٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ فَأَقَلُّ الْمَالِ لَازِمٌ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مَالٌ وَافِرٌ، وَلَهُ عِنْدِي مَالٌ تَافِهٌ، وَلَهُ عِنْدِي مَالٌ مُغْنٍ كَانَ كُلُّهُ كَمَا وَصَفْت مِنْ مَالٍ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُغْنِي الْقَلِيلُ، وَلَا يُغْنِي الْكَثِيرُ وَيُنْمَى الْقَلِيلُ إذَا بُورِكَ فِيهِ وَأُصْلِحَ وَيَتْلَفُ الْكَثِيرُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا كَانَ الْمُقِرُّ بِهَذَا حَيًّا قُلْت لَهُ أَعْطِ الَّذِي أَقْرَرْتَ لَهُ مَا شِئْت مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ وَاحْلِفْ لَهُ مَا أَقْرَرْتَ لَهُ بِغَيْرِ مَا أَعْطَيْتَهُ فَإِنْ قَالَ لَا أُعْطِيهِ شَيْئًا جَبَرْته عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ مَكَانَهُ وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَإِذَا حَلَفَ لَمْ أُلْزِمْهُ غَيْرَهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ قُلْت لِلَّذِي يَدَّعِي عَلَيْهِ ادَّعِ مَا أَحْبَبْت فَإِذَا ادَّعَى قُلْتُ لِلرَّجُلِ احْلِفْ عَلَى مَا ادَّعَى فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ أَبَى قُلْت لَهُ اُرْدُدْ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ أَعْطَيْته وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ أُعْطِهِ شَيْئًا بِنُكُولِك حَتَّى يَحْلِفَ مَعَ نُكُولِك.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِالْمَالِ غَائِبًا أَقَرَّ بِهِ مِنْ صِنْفٍ مَعْرُوفٍ كَفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَسَأَلَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ قُلْنَا إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ مَقْدِمَهُ أَوْ نَكْتُبُ لَك إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْنَاك مِنْ مَالِهِ الَّذِي أَقَرَّ فِيهِ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ، وَاشْهَدْ بِأَنَّهُ عَلَيْك فَإِنْ جَاءَ فَأَقَرَّ لَك بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَعْطَيْتَ الْفَضْلَ كَمَا أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ لَك بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَقَدْ اسْتَوْفَيْت وَكَذَلِكَ إنْ جَحَدَك فَقَدْ أَعْطَيْنَاك أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ.

وَإِنْ قَالَ مَالٌ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى شَيْءٍ لَمْ نُعْطِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَيَحْلِفُ أَوْ يَمُوتُ فَتَحْلِفُ وَرَثَتُهُ وَيُعْطِي مِنْ مَالِهِ أَقَلَّ الْأَشْيَاءِ قَالَ وَهَكَذَا إنْ كَانَ الْمُقِرُّ حَاضِرًا فَغَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي مَا بَرِئَ مِمَّا أَقَرَّ لَهُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَيَجْعَلُ الْغَائِبَ وَالْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ عَلَى حُجَّتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمِثْلُ هَذَا إنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَذَا ثُمَّ مَاتَ وَأَجْعَلُ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ عَلَى حُجَّتِهِ إنْ كَانَتْ لِلْمَيِّتِ حُجَّةٌ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ شَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ تَحْلِفَ لَهُ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ فَلَا أُحَلِّفُهُمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَلَفْتهمْ مَا يَعْلَمُونَ أَبَاهُمْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْته.

الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مَحْدُودٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ وَهُوَ يَعْرِفُ مَالَ فُلَانٍ الَّذِي قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ يَعْرِفُ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْمَالِ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ فَسَوَاءٌ، وَأَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ عَلَيَّ حَلَالٌ وَالْحَلَالُ كَثِيرٌ وَمَالُ فُلَانٍ الَّذِي قُلْت لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ حَرَامٌ وَهُوَ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ لِقِلَّةِ بَقَائِهِ، وَلَوْ قَالَ قُلْت لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدِي أَبْقَى فَهُوَ أَكْثَرُ بِالْبَقَاءِ مِنْ مَالِ فُلَانٍ وَمَا فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>