يَحْكُمَ فِي الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَحُقُوقِ النَّاسِ وَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ قَاضٍ لِأَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَرُدَّ مِنْ حُكْمِهِ إلَّا مَا يَرُدُّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ قُضَاةِ غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْ حَكَمَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ كِتَابَهُ خَوْفَ اسْتِحْلَالِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ عَلَى اسْتِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَالِ امْرِئٍ أَوْ دَمِهِ لَمْ يَحِلَّ قَبُولُ كِتَابِهِ وَلَا إنْفَاذُ حُكْمِهِ، وَحُكْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ كِتَابِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنَفَّذَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَيُرَدَّ كِتَابُهُ وَهُوَ الْأَقَلُّ؟ وَقَالَ مَنْ خَالَفَنَا إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ وَإِذَا قَتَلَ الْبَاغِي لَمْ يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ هُمَا سَوَاءٌ يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلَانِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فَقَالَ لَا يَتَوَارَثَانِ لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لَا يَتَوَارَثَانِ وَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ وَرَثَتِهِمَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ مَنْ خَالَفَنَا يَسْتَعِينُ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِالْمُشْرِكِينَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقُلْت لَهُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ أَهْلَهُ فَخَوَّلَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ بِخِلَافِ دِينِهِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ صِنْفًا مَرْقُوقِينَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَصِنْفًا مَأْخُوذًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا فِيهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَنْفَعَةُ صَغَارًا غَيْرَ مَأْجُورِينَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَنَالُوا نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَأَبَاحَ نِسَاءَ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ زَعَمْت أَنْ لَا يَذْبَحَ النُّسُكَ إذَا كَانَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَيْفَ أَجَزْت أَنْ تَجْعَلَ الْمُشْرِكَ فِي مَنْزِلَةٍ يَنَالُ بِهَا مُسْلِمًا حَتَّى يَسْفِكَ بِهَا دَمَهُ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ تُسَلِّطَهُ عَلَى شَاتِه الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ؟ قَالَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْت: وَالْمُشْرِكُ هُوَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ قَدْ مَضَى عَنْهُ الْحُكْمُ وَصَيَّرْتَ حَتْفَهُ بِيَدَيْ مَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَعَلَّهُ يَقْتُلُهُ بِعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا تَسْتَحِلُّ أَنْتَ فِيهَا قَتْلَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت قَاضِيًا إنْ اسْتَقْضَى تَحْتَ يَدِهِ قَاضِيًا هَلْ يُوَلِّي ذِمِّيًّا مَأْمُونًا أَنْ يَقْضِيَ فِي حُزْمَةِ بَقْلٍ وَهُوَ يَسْمَعُ قَضَاءَهُ فَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ رَدَّهُ؟ قَالَ: لَا قُلْت وَلِمَ؟ وَحُكْمُ الْقَاضِي الظَّاهِرُ؟ قَالَ وَإِنْ. فَإِنْ عَظِيمًا أَنْ يَنْفُذَ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْءٌ بِقَوْلِ ذِمِّيٍّ قُلْت: إنَّهُ بِأَمْرِ مُسْلِمٍ، قَالَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالذِّمِّيُّ مَوْضِعُ حَاكِمٍ فَقُلْت لَهُ أَفَتَجِدُ الذِّمِّيَّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ قَاتِلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَصِلُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَتْلٍ إنْ رَآهُ وَلَا كَفَّ؟ قَالَ إنَّ هَذَا كَمَا وَصَفْت وَلَكِنَّ أَصْحَابُنَا احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قُلْت: وَنَحْنُ نَقُولُ لَك اسْتَعِنْ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُشْرِكِينَ عِزٌّ مُحَرَّمٌ أَنْ نُذِلَّهُ وَلَا حُرْمَةٌ حُرِّمَتْ إلَّا أَنْ نَسْتَبْقِيَهَا كَمَا يَكُونُ فِي أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْحَرْبِ كَانَ أَنْ يَمْضُوا حُكْمًا فِي حُزْمَةِ بَقْلٍ أَجْوَزْ وَقُلْت لَهُ: مَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ أَقَاوِيلِك قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَذَا جَعَلْت الْوَلَدَ لِلْمُسْلِمِ وَحُجَّتُهُمَا فِيهِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يَصِفَ الْوَلَدَ الْإِسْلَامُ. وَزَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ إذَا أَسْلَمَ كَانَ الْوَلَدُ مَعَ أَيِّهِمَا أَسْلَمَ تَعْزِيرًا لِلْإِسْلَامِ فَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقُولُ هَذَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا تُسَلِّطُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
كِتَابُ السَّبْقِ وَالنِّضَالِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: جِمَاعُ مَا يَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَهُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا وَجَبَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ دَفْعُهُ مِنْ جِنَايَاتِهِمْ وَجِنَايَاتِ مَنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِالزَّكَاةِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَمَا أَشْبَهَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute