للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْفُوَّةً لَمْ يَنْظُرْ إلَى فَسَادِهَا كَمَا لَا يَنْظُرُ إلَى فَسَادِ نِكَاحِ مَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَلَا مَا جَاوَزَتْ أَرْبَعًا قَالَ وَالْعُقْدَةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا قَالَ قُلْت فَكَيْفَ جَمَعْت بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ وَنَظَرْت إلَى فَسَادِهَا مَرَّةً وَلَمْ تَنْظُرْ إلَيْهِ أُخْرَى؟ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى قَوْلِنَا قَالَ يُمْسِكُ أَرْبَعًا أَيَّتَهنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ سَائِرَهُنَّ وَعَابَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ نَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَ مَا لَا يَتَفَرَّقُ فِي الْعُقُولِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي أَلْزَمَنَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَكِنْ حُدَّ لِي فِيهِ حَدًّا.

قُلْت فِي نِكَاحِ الشِّرْكِ شَيْئَانِ عُقْدَةٌ وَمَا يَحْرُمُ مِمَّا تَقَعُ عَلَيْهِ الْعُقْدَةُ بِكُلِّ وَجْهٍ وَمُجَاوَزَةُ أَرْبَعٍ فَلَمَّا رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَاوَزَ أَرْبَعًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ عَلَى النَّاكِحِ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْعُقْدَةِ عَلِمْت أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْعُقْدَةِ فَعَفَوْنَا عَمَّا عَفَا عَنْهُ وَانْتَهَيْنَا عَنْ إفْسَادِ عَقْدِهَا إذَا كَانَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مِمَّنْ تَحِلُّ بِحَالٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ رَدَدْنَا نِكَاحَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ كُلَّهُ وَقُلْنَا ابْتَدِئُوهُ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يُعْقَدَ بِمَا يَحِلَّ فِي الْإِسْلَامِ.

بَابُ نِكَاحِ الْوُلَاةِ وَالنِّكَاحُ بِالشَّهَادَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وَقَالَ فِي الْإِمَاءِ {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَنْكِحَ نَفْسَهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ تَرَى ابْتِدَاءَ الْآيَةِ مُخَاطَبَةُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِبُلُوغِ أَجَلِهَا لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَزْوَاجِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} نَهَيَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا ضِرَارًا لِيَعْضُلَهَا فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُشَارِفَةَ بُلُوغَ أَجَلِهَا وَلَمْ تَبْلُغْهُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ بِآخِرِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِأَوَّلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا} فَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَحِلَّ إنْكَاحُ الزَّوْجِ إلَّا مَنْ قَدْ حَلَّ لَهُ الزَّوْجُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ زَوَّجَ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَرَادَ زَوْجُهَا أَوْ أَرَادَتْ أَنْ يَتَنَاكَحَا فَمَنَعَهُ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَخُوهَا وَقَالَ زَوَّجْتُك أُخْتِي وَآثَرْتُك عَلَى غَيْرِك ثُمَّ طَلَّقْتهَا فَلَا أُزَوِّجُكَهَا أَبَدًا فَنَزَلَتْ {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ وَالْمُنْكَحَةِ وَالنَّاكِحِ وَعَلَى أَنَّ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ لَا يَعْضُلَ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْضُلَ فَعَلَى السُّلْطَانِ التَّزْوِيجُ إذَا عَضَلَ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا فَأَمْرُ السُّلْطَانِ جَائِزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِعْطَاؤُهُ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَمَا وَصَفْنَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّلْطَانِ.

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>