أَخْذُ السِّلَاحِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ السِّلَاحَ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَيُقَاتِلَ بِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْحَرْبِ ثُمَّ يَرُدَّهُ فِي الْمَغْنَمِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقَاتِلُ مَا كَانَ النَّاسُ فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ بِرَدِّهِ الْفَرَاغَ مِنْ الْحَرْبِ فَيُعَرِّضُهُ لِلْهَلَاكِ وَانْكِسَارِ سِنِّهِ مِنْ طُولِ مُكْثِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكَ إيَّاكَ الْغُلُولَ أَنْ تَرْكَبَ الدَّابَّةَ حَتَّى يَحْسِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدَّى إلَى الْمَغْنَمِ أَوْ تَلْبَسَ الثَّوْبَ حَتَّى يَخْلُقَ قَبْلَ أَنْ تَرُدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ» قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَانِي وَوُجُوهُ تَفْسِيرٍ لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يُبْصِرُهُ إلَّا مَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ عَنْهُ غَنِيٌّ يُبْقِي بِذَلِكَ عَلَى دَابَّتِهِ وَعَلَى ثَوْبِهِ أَوْ يَأْخُذُ ذَلِكَ يُرِيدُ بِهِ الْحَاجَةَ فَأَمَّا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ مَعَهُ دَابَّةٌ وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَضْلٌ يَحْمِلُونَهُ إلَّا دَوَابُّ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْشِيَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ تَرْكُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِيبِهِ إنْ شَاءُوا وَإِنْ كَرِهُوا وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْحَالُ فِي السِّلَاحِ. وَالْحَالُ فِي السِّلَاحِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ تَكَسَّرَتْ سُيُوفُهُمْ أَوْ ذَهَبَتْ وَلَهُمْ غَنَاءٌ فِي الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذُوا سُيُوفًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيُقَاتِلُوا بِهَا مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهَا فِي مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَاحْتَاجُوا إلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ وَأَغَارَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ يَقُومُونَ هَكَذَا فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ بِغَيْرِ سِلَاحٍ؟ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ عَلَى حَالِهِمْ كَيْفَ يَصْنَعُونَ يَسْتَأْسِرُونَ؟ هَذَا الرَّأْيُ تَوْهِينٌ لِمَكِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِجُنُودِهِمْ وَكَيْفَ يَحِلُّ هَذَا مَا دَامَ فِي الْمَعْمَعَةِ وَيَحْرُمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثِّقَاتِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عَنْ الرِّجَالِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْفِقْهِ الْمَأْمُونِينَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَغْنَمُ الْغَنِيمَةَ فِيهَا الطَّعَامُ فَيَأْكُلُ أَصْحَابُهُ مِنْهَا إذَا احْتَاجَ الرَّجُلُ شَيْئًا يَأْخُذُهُ وَحَاجَةُ النَّاسِ إلَى السِّلَاحِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِلَى الدَّوَابِّ وَإِلَى الثِّيَابِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ. أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ «عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ يَأْتِي أَحَدُنَا إلَى الطَّعَامِ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيَأْخُذُ حَاجَتَهُ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا جَعَلَ السِّلَاحَ وَالثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ قِيَاسًا عَلَى الطَّعَامِ مِنْ غَنِيٍّ يَجِدُ مَا يَشْرِي بِهِ طَعَامًا أَوْ فَقِيرٍ لَا يَجِدُ مَا يَشْرِي بِهِ أُحِلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ، وَأَكْلُهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ فَهُوَ إنْ أَجَازَ لِمَنْ يَجِدُ مَا يَشْتَرِي بِهِ طَعَامًا أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَاسَ السِّلَاحَ وَالدَّوَابَّ عَلَيْهِ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ الطَّعَامَ وَيَتَفَكَّهَ بِرُكُوبِ الدَّوَابِّ كَمَا يَتَفَكَّهُ بِالطَّعَامِ فَيَأْكُلُ فَالُوذًا وَيَأْكُلُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ وَإِنْ اجْتَزَأَ بِالْخُبْزِ الْيَابِسِ بِالْمِلْحِ وَالْجُبُنِ وَاللَّبَنِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِالدَّوَابِّ اسْتِهْلَاكَهَا وَيَأْخُذَ السِّلَاحَ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ فَيَتَلَذَّذَ بِالضَّرْبِ بِهَا غَيْرِ الْعَدُوِّ وَكَمَا يَتَلَذَّذُ بِالطَّعَامِ لِغَيْرِ الْجُوعِ وَكَانَ يَلْزَمُهُ إذَا خَرَجَ بِالدَّوَابِّ وَالسِّلَاحِ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ أَنْ يَجْعَلَهُ مِلْكًا لَهُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ مِلْكًا لَهُ وَلَا أَحْسَبُ مِنْ النَّاسِ أَحَدًا يُجِيزُ هَذَا وَكَانَ لَهُ بَيْعُ سِلَاحِهِ وَدَوَابِّهِ وَأَخْذُ سِلَاحٍ وَدَوَابَّ كَمَا تَكُونُ لَهُ الصَّدَقَةُ بِطَعَامِهِ وَهِبَتِهِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ عَلَى هَذَا وَيَصْنَعُونَ مِثْلَهُ فِي دَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ وَثِيَابِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَوْ نَزَعْت سَهْمًا مِنْ جَبَلٍ مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ مَا كُنْت بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيك» وَمَا أَعْلَمُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَّا مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ مَعْقُولًا لِأَنَّهُ يَحِلُّ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الشَّيْءُ، فَإِذَا انْقَضَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ وَمَا عَلِمْت قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَلَا خَبَرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute