يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَيْرَ مَغْنَمٍ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَهَرَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ إسْلَامٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ فِي نِعَمِهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فِي دَارِهِمْ سَنَةَ خَمْسٍ وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَهَا بِزَمَانٍ وَإِنَّمَا بَعَثَ إلَيْهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا سَنَةَ عَشْرٍ وَقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ وَدَارُهُمْ دَارُ حَرْبٍ وَأَمَّا خَيْبَرُ فَمَا عَلِمْته كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَمَا صَالَحَ إلَّا الْيَهُودَ وَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ إنَّ مَا حَوْلَ خَيْبَرَ كُلَّهُ دَارُ حَرْبٍ وَمَا عَلِمْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً فَقُلْت مِنْ مَوْضِعِهَا حَتَّى تُقَسِّمَ مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَكَانَ قَدْ أَجَازَ أَنْ يُقَسِّمَ الْوَالِي بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَدَخَلَ فِيمَا عَابَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَاءَك مِنْهُمْ قَبْلَ تَنَفُّقِ الْقَتْلَى فَأَسْهِمْ لَهُ فَهُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا دَاخِلٌ فِيمَا عَابَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ عَابَ عَلَيْهِ غَيْرَ الثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ مَا عَلِمْت الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا إلَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَقَدْ اُحْتُجَّ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ بِحَدِيثِ رِجَالٍ وَهُوَ يَرْغَبُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانَ حَدِيثُ مُجَالِدٍ ثَابِتًا فَهُوَ يُخَالِفُهُ هُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَدَدَ إذَا جَاءَهُ وَلَمَّا يَخْرُجْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَالْقَتْلَى نُظَرَاؤُهُمْ لَمْ يُنْفِقُوا وَلَا يُنْفِقُونَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ عِنْدَهُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِينَ دُونَ الْمَدَدِ إذَا نَفَقَتْ الْقَتْلَى انْبَغَى أَنْ يُعْطِيَ الْمَدَدَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَنْفُقَ الْقَتْلَى قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ قَسَّمَ بِبِلَادِ الْحَرْبَ كَانَ جَائِزًا وَهَذَا تَرْكٌ لِقَوْلِهِ وَدُخُولٌ فِيمَا عَابَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ قَسَّمَ بِبِلَادِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ الْمَدَدُ قَبْلَ تَنْفُقُ الْقَتْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَدِ شَيْءٌ وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُ وَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ عَنْ عُمَرَ لَا يَأْخُذُ بِهِ وَيَدَعُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ نَفَقَتْ الْقَتْلَى وَهُمْ فِي بِلَاد الْحَرْبِ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهَا وَلَمْ يَقْتَسِمُوا شِرْكَهُمْ الْمَدَدُ وَكُلُّ هَذَا الْقَوْلِ خُرُوجٌ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَا لِلْمَدَدِ وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُقَسِّمْ غَنَائِمَ بَدْرٍ حَتَّى وَرَدَ الْمَدِينَةَ» وَمَا ثَبَتَ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَنْ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فَهُوَ يُخَالِفُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَنَائِمَ بَدْرٍ بِسَيْرِ شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الصَّحْرَاءِ قَرِيبٍ مِنْ بَدْرٍ وَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ كَمَا يَرْوِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ فَلَمَّا تَشَاحُّوا عَلَيْهَا انْتَزَعَهَا اللَّهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا خَالِصَةً وَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} بَعْدَ غَنِيمَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِخَلْقٍ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَقْعَةَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَنْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّمَا مِنْ مَالِهِ أَعْطَاهُمْ لَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَأَمَّا مَا اُحْتُجَّ بِهِ مَنْ وَقْعَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ وَقَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَكَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقَفُوا فِيمَا صَنَعُوا حَتَّى نَزَلَتْ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} وَلَيْسَ مِمَّا خَالَفَهُ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ بِسَبِيلٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute