للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْتِي مَا هُوَ أَوْلَى أَنْ يُحَرِّمَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ التَّحْرِيمُ بِالْإِزْكَانِ فَلَا يُحَرِّمُهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمِثْلُ مَاذَا مِنْ الْبُيُوعِ؟ قِيلَ: أَرَأَيْت رَجُلًا اشْتَرَى فَرَسًا عَلَى أَنَّهَا عَقُوقٌ، فَإِنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا مُغَيَّبٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ عَلَيْهِ، قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا بِدِينَارٍ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ بَصِيرَيْنِ فَقَالَا: هَذِهِ الْفَرَسُ تَسْوَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ إنْ كَانَتْ غَيْرَ عَقُوقٍ عَشْرَةً إنْ كَانَتْ عَقُوقًا فَأَنَا آخُذُهَا مِنْك بِعَشْرَةٍ، وَلَوْلَا أَنَّهَا عِنْدِي عَقُوقٌ لَمْ أَزِدْك عَلَى خَمْسَةٍ وَلَكِنَّا لَا نَشْتَرِطُ مَعَهَا عُقُوقًا لِإِفْسَادِ الْبَيْعِ فَإِنْ قَالَ: هَذَا الْبَيْعُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ عَلَى الْفَرَسِ دُونَ مَا فِي بَطْنِهَا وَنِيَّتُهُمَا مَعًا وَإِظْهَارُهُمَا الزِّيَادَةَ لِمَا فِي الْبَطْنِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ إذَا لَمْ تُعْقَدْ الصَّفْقَةُ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَلَا أُفْسِدَ الْبَيْعُ هَا هُنَا بِالنِّيَّةِ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَيُفْسَخُ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: وَإِنْ كَانَ أَعْزَبَ، أَوْ آهِلًا؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً وَنَوَى أَنْ لَا يَحْبِسَهَا إلَّا يَوْمًا، أَوْ عَشْرًا إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ مِنْهَا وَطَرًا، وَكَذَلِكَ نَوَتْ هِيَ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّهُمَا عَقَدَا النِّكَاحَ مُطْلَقًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ قَالَ: هَذَا يَحِلُّ قِيلَ لَهُ: وَلِمَ تُفْسِدُهُ بِالنِّيَّةِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ لَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ تَجِدُ فِي الْبُيُوعِ شَيْئًا مِنْ الذَّرَائِعِ، أَوْ فِي النِّكَاحِ شَيْئًا مِنْ الذَّرَائِعِ تُفْسِدُ بِهِ بَيْعًا، أَوْ نِكَاحًا أَوْلَى أَنْ تُفْسِدَ بِهِ الْبَيْعَ مِنْ شِرَاءِ الْفَرَسِ الْعَقُوقِ عَلَى مَا وُصِفَ وَكُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ سِوَاهَا وَالنِّكَاحُ عَلَى مَا وَصَفْت، فَإِذَا لَمْ تُفْسِدْ بَيْعًا، وَلَا نِكَاحًا بِنِيَّةٍ يَتَصَادَقُ عَلَيْهَا الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُتَنَاكِحَانِ أَيَّمَا كَانَتْ نِيَّتُهُمَا ظَاهِرَةً قَبْلَ الْعَقْدِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ، وَقُلْت لَا أُفْسِدُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَعَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ عَلَى صِحَّةٍ وَالنِّيَّةُ لَا تَصْنَعُ شَيْئًا وَلَيْسَ مَعَهَا كَلَامٌ فَالنِّيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا كَلَامٌ أَوْلَى أَنْ لَا تَصْنَعَ شَيْئًا يَفْسُدُ بِهِ بَيْعٌ، وَلَا نِكَاحٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ نِيَّتُهُمَا، أَوْ كَلَامُهُمَا فَكَيْفَ أَفْسَدْت عَلَيْهِمَا بِأَنْ أزكنت عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا نَوَيَا، أَوْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَأَفْسَدْت الْعَقْدَ الصَّحِيحَ بِإِزْكَانِك أَنَّهُ نَوَى فِيهِ مَا لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ، أَوْ النِّكَاحِ فَسَدَ فَإِنْ قَالَ وَمِثْلُ مَاذَا؟ قَالَ: قِيلَ لَهُ: مِثْلُ قَوْلِك وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

بَابُ تَفْرِيغِ الْوَصَايَا لِلْوَارِثِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَكُلُّ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ لِوَارِثٍ مِنْ مِلْكِ مَالٍ وَمَنْفَعَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ بِأَيِّ هَذَا كَانَ.

الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ

قَالَ الرَّبِيعُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ أَنْ يُوصِيَ لِوَارِثٍ فِي صِحَّةٍ مِنْهُ، أَوْ مَرَضٍ فَأَذِنُوا لَهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنُوا فَذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ وَفَّوْا لَهُ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَتْقَى لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَأَحْسَنَ فِي الْأُحْدُوثَةِ أَنْ يُجِيزُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِمَا نُقِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمِيرَاثِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك، أَوْ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قَالَ سُفْيَانُ سَمَّى الزُّهْرِيُّ الَّذِي أَخْبَرَهُ فَحَفِظْته، ثُمَّ نَسِيته وَشَكَكْت فِيهِ فَلَمَّا قُمْنَا سَأَلْت مَنْ حَضَرَ فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ: هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَقُلْت هَلْ شَكَكْت

<<  <  ج: ص:  >  >>