قَائِلٌ: فَهَلْ فِي هَذَا خَبَرٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا قُلْت فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ؟ قِيلَ نَعَمْ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ عِنْدَ دَارِ الْقَضَاءِ يَسْأَلُهُ عَنْ رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ كَانَتْ لِي وَلِيدَةٌ فَكُنْت أَطَؤُهَا فَعَمَدَتْ امْرَأَتِي إلَيْهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَدَخَلْت عَلَيْهَا فَقَالَتْ دُونَك فَقَدْ وَاَللَّهِ أَرْضَعْتهَا. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوْجِعْهَا وَائْتَ جَارِيَتَك فَإِنَّمَا الرَّضَاعُ رَضَاعُ الصَّغِيرِ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا رَضَاعَ إلَّا لِمَنْ أَرْضَعَ فِي الصِّغَرِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ رَضَاعَةُ الْكَبِيرِ مَا أَرَاهَا إلَّا تُحَرِّمُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ اُنْظُرْ مَا يُفْتِي بِهِ الرَّجُلُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ لَا رَضَاعَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَجِمَاعُ فَرْقِ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِذَا أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ فِي الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ كَمَا وَصَفْت فَقَدْ كَمُلَ رَضَاعُهُ الَّذِي يُحَرِّمُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَسَوَاءٌ أُرْضِعَ الْمَوْلُودُ أَقَلَّ مِنْ حَوْلَيْنِ ثُمَّ قُطِعَ رَضَاعُهُ ثُمَّ أُرْضِعَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَوْ كَانَ رَضَاعُهُ مُتَتَابِعًا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فِي الْحَوْلَيْنِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَلَوْ تُوبِعَ رَضَاعُهُ فَلَمْ يُفْصَلْ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلَيْنِ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَأُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ الرَّضَاعُ شَيْئًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَوْ أُرْضِعَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ وَبَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْخَامِسَةَ وَأَكْثَرَ لَمْ يُحَرِّمْ وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا تَمَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ وَالْوَجُورُ، وَإِنْ خُلِطَ لِلْمَوْلُودِ لَبَنٌ فِي طَعَامٍ فَيَطْعَمُهُ كَانَ اللَّبَنُ الْأَغْلَبَ أَوْ الطَّعَامُ إذَا وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ وَسَوَاءٌ شِيبَ لَهُ اللَّبَنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ إذَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَهُوَ كُلُّهُ كَالرَّضَاعِ وَلَوْ جُبِّنَ لَهُ اللَّبَنُ فَأُطْعِمَ جُبْنًا كَانَ كَالرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ استسعطه لِأَنَّ الرَّأْسَ جَوْفٌ وَلَوْ حقنه كَانَ فِي الْحُقْنَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَوْفٌ وَذَلِكَ أَنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ لَوْ احْتَقَنَ، وَالْآخَرُ أَنَّ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ كَمَا وَصَلَ إلَى الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ يُغْتَذَى مِنْ الْمَعِدَةِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْحُقْنَةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أُطْعِمَ لَبَنَ امْرَأَةٍ فِي طَعَامٍ مَرَّةً وَأُوجِرَهُ أُخْرَى وَأَسْعَطهُ أُخْرَى، وَأُرْضِعَ أُخْرَى، ثُمَّ أُوجِرَهُ وَأُطْعِمَ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ خَمْسُ مَرَّاتٍ كَانَ هَذَا الرَّضَاعُ الَّذِي يُحَرِّمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ وَسَوَاءٌ لَوْ كَانَ مِنْ صِنْفِ هَذَا خَمْسٌ مِرَارًا أَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَصْنَافٍ شَتَّى، وَإِذَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ سَنَتَيْنِ لَمْ يَحْرُمْ، وَإِنْ تَمَّتْ لَهُ الْخَامِسَةُ حِينَ يُرْضَعُ الْخَامِسَةَ فَيَصِلُ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ مَا وَصَفْت أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الرَّضَاعِ مَعَ مُضِيِّ سَنَتَيْنِ قَبْلَ كَمَالِهَا فَقَدْ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ كَمَالِهَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ مَعَ كَمَالِهَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ كَمَالُهَا. .
فِي لَبَنِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَاللَّبَنُ إذَا كَانَ مِنْ حَمْلٍ وَلَا أَحْسَبُهُ يَكُونُ إلَّا مِنْ حَمْلٍ فَاللَّبَنُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا يَكُونُ الْوَلَدُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَانْظُرْ إلَى الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ، فَإِنْ كَانَ لَبَنُهَا نَزَلَ بِوَلَدٍ مِنْ رَجُلٍ نُسِبَ ذَلِكَ الْوَلَدُ إلَى وَالِدٍ لِأَنَّ حَمْلَهُ مِنْ الرَّجُلِ فَإِنْ رَضَعَ بِهِ مَوْلُودٌ فَالْمَوْلُودُ أَوْ الْمُرْضَعُ بِذَلِكَ اللَّبَنِ ابْنُ الرَّجُلِ الَّذِي الِابْنُ ابْنُهُ مِنْ النَّسَبِ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ وَكَمَا يَثْبُتُ الْوَلَدُ مِنْهُ وَمِنْهَا، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْ بِهِ الْمَوْلُودَ لَبَنَ وَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي الْحَمْلُ مِنْهُ فَأَسْقَطَ اللَّبَنَ فَلَا يَكُونُ الْمُرْضَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute