فَقَدْ أَحَلَّ إمَاتَةَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتُلَ مَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِضَرَرِهِ وَمَا كَانَ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَحَرَّمَ أَنْ تُعَذَّبَ الَّتِي لَا تَضُرُّ لِغَيْرِ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ فَإِذَا ذَبَحْنَا غَنَمَ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَصِلُ فِيهِ إلَى أَكْلِ لُحُومِهَا فِيهِ فَهُوَ قَتْلٌ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَهُمْ يَتَقَوَّوْنَ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا فَلَمْ نَشُكَّ فِي أَنْ يَتَقَوَّى بِهَا الْمُشْرِكُونَ حِينَ ذَبَحْنَاهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَطْعًا لِقُوتِهِمْ فَإِنْ قَالَ فَفِي ذَبْحِهَا قَطْعٌ لِلْمَنْفَعَةِ لَهُمْ فِيهَا فِي الْحَيَاةِ قِيلَ قَدْ تَنْقَطِعُ الْمَنْفَعَةُ عَنْهُمْ بِأَبْنَائِهِمْ لَوْ ذَبَحْنَاهُمْ وَشُيُوخَهُمْ وَالرُّهْبَانُ لَوْ ذَبَحْنَاهُمْ فَلَيْسَ كُلُّ مَا قَطَعَ الْمَنْفَعَةَ وَبَلَغَ غَيْظَهُمْ حَلَّ لَنَا فَمَا حَلَّ لَنَا مِنْهُ فَعَلْنَاهُ وَمَا حَرُمَ عَلَيْنَا تَرَكْنَاهُ وَمَا شَكَكْنَا فِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ أَوْ يَحْرُمُ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا كَانَ يَحِلُّ لَنَا لَوْ أَطْعَمْنَاهُمْ مِنْ طَعَامِنَا فَلَيْسَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا لَوْ تَرَكْنَا أَشْيَاءَ لَهُمْ إذَا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهَا كَمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْنَا أَنْ نَتْرُكَ مَسَاكِنَهُمْ أَوْ نَخِيلَهُمْ لَا نُحَرِّقُهَا فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا أَنْ نَتْرُكَ هَذَا لَهُمْ وَكُنَّا مَمْنُوعِينَ أَنْ نَقْتُلَ ذَا الرُّوحِ الْمَأْكُولِ إلَّا لِلْمَنْفَعَةِ بِالْأَكْلِ كَانَ الْأَوْلَى بِنَا أَنْ نَتْرُكَهُ إذَا كَانَ ذَبْحُهُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ.
قَطْعُ أَشْجَارِ الْعَدُوِّ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا بَأْسَ بِقَطْعِ شَجَرِ الْمُشْرِكِينَ وَنَخِيلِهِمْ وَتَحْرِيقِ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ إذَا غَلَبُوا عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِهِمْ أَحْرَقُوهَا فَكَانَ بَنُو قُرَيْظَةَ يَخْرُجُونَ فَيَنْقُضُونَهَا وَيَأْخُذُونَ حِجَارَتَهَا لِيَرْمُوا بِهَا الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ الْمُسْلِمُونَ نَخْلًا مِنْ نَخْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} قَالَ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى طُلَيْحَةَ وَبَنِي تَمِيمٍ قَالَ أَيَّ وَادٍ أَوْ دَارٍ غَشِيتَهَا فَأَمْسِكْ عَنْهَا إنْ سَمِعْتَ أَذَانًا حَتَّى تَسْأَلَهُمْ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَنْقِمُونَ وَأَيَّ دَارٍ غَشَيْتَهَا فَلَمْ تَسْمَعْ مِنْهَا أَذَانًا فَشُنَّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ وَاقْتُلْ وَحَرِّقْ وَلَا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَهَى عَنْ ذَلِكَ بِالشَّامِ إلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَظْهَرُونَ عَلَيْهَا وَيَبْقَى ذَلِكَ لَهُمْ فَنَهَى عَنْهُ لِذَلِكَ فِيمَا نَرَى لَا أَنَّ تَخْرِيبَ ذَلِكَ وَتَحْرِيقَهُ لَا يَحِلُّ وَلَكِنْ مِنْ مِثْلِ هَذَا تَوْجِيهٌ. حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ قِيلَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إنَّ الرُّومَ يَأْخُذُونَ مَا حَسَرَ مِنْ خَيْلِنَا فيستلقحونها وَيُقَاتِلُونَ عَلَيْهَا أَفَنَعْقِرُ مَا حَسَرَ مِنْ خَيْلِنَا؟ قَالَ لَيْسُوا بِأَهْلٍ أَنْ يَنْقُصُوا مِنْكُمْ إنَّمَا هُمْ غَدًا رِقَّكُمْ وَأَهْلُ ذِمَّتِكُمْ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا الْكَرَاهِيَةُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَشُكُّونَ فِي الظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمَا رَأَوْا مِنْ الْفَتْحِ فَأَمَّا إذَا اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ وَامْتَنَعُوا فَإِنَّا نَأْمُرُ بِحَسِيرِ الْخَيْلِ أَنْ يُذْبَحَ ثُمَّ يُحَرَّقُ لَحْمُهُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلَا يَتَقَوَّوْنَ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَأَكْرَهُ أَنْ نُعَذِّبَهُ أَوْ نَعْقِرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): يُقَطَّعُ النَّخْلُ وَيُحَرَّقُ وَكُلُّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَعَلَّ أَمْرَ أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يَكُفُّوا عَنْ أَنْ يَقْطَعُوا شَجَرًا مُثْمِرًا إنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْبِرُ أَنَّ بِلَادَ الشَّامِ تُفْتَحُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا كَانَ مُبَاحًا لَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَتْرُكَ اخْتَارَ التَّرْكَ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ فَلَمَّا أَسْرَعَ فِي النَّخْلِ قِيلَ لَهُ قَدْ وَعَدَكهَا اللَّهُ فَلَوْ اسْتَبْقَيْتهَا لِنَفْسِك فَكَفَّ الْقَطْعَ» اسْتِبْقَاءً لَا أَنَّ الْقَطْعَ مُحَرَّمٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ تَرَكَ فِي بَنِي النَّضِيرِ قِيلَ ثُمَّ قَطَعَ بِالطَّائِفِ وَهِيَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَآخَرُ غَزَاةٍ لَقِيَ فِيهَا قِتَالًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute