للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَكَرَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مُنْفَرِدَيْنِ فَانْتَهَى بِالْأُخْتِ إلَى النِّصْفِ وَبِالْأَخِ إلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مُجْتَمَعِينَ فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ مِثْلَ حُكْمِهِ بَيْنَهُمْ مُنْفَرِدِينَ قَالَ: {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ، فَمَنْ قَالَ بِرَدِّ الْمَوَارِيثِ قَالَ: أُوَرِّثُ الْأُخْتَ الْمَالَ كُلَّهُ فَخَالَفَ قَوْلُهُ الْحُكْمَيْنِ مَعًا. قُلْت: فَإِنْ قُلْتُمْ نُعْطِيهَا النِّصْفَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَرُدُّ عَلَيْهَا النِّصْفَ لَا مِيرَاثًا.

قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ تَرُدُّهُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: مَا نَرُدُّهُ أَبَدًا إلَّا مِيرَاثًا أَوْ يَكُونُ مَالًا حُكْمُهُ إلَى الْوُلَاةِ فَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ الْوُلَاةُ بِمُخَيَّرِينَ، وَعَلَى الْوُلَاةِ أَنْ يَجْعَلُوهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ مُخَيَّرِينَ كَانَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ شَاءَ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

بَابُ مِيرَاثِ الْجَدِّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقُلْنَا إذَا وَرِثَ الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ قَاسَمَهُمْ مَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ مِنْهَا أُعْطِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنْهُ قَبِلْنَا أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا فِيهِ مِثْلَ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ فُقَهَاءِ الْبُلْدَانِ، وَقَدْ خَالَفْنَا بَعْضَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: الْجَدُّ أَبٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. إنَّهُ أَبٌ إذَا كَانَ مَعَهُ الْإِخْوَةُ طُرِحُوا وَكَانَ الْمَالُ لِلْجَدِّ دُونَهُمْ، وَقَدْ زَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اخْتَلَفُوا لَمْ نَصِرْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ قَوْلِ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّثَبُّتِ مَعَ الْحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلسُّنَّةِ وَهَكَذَا نَقُولُ وَإِلَى الْحُجَّةِ ذَهَبْنَا فِي قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُ.

قَالُوا: فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْجَدُّ أَبٌ لِخِصَالٍ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {يَا بَنِي آدَمَ} وَقَالَ {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} فَأَقَامَ الْجَدَّ فِي النَّسَبِ أَبًا وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنْ لَمْ يُنْقِصُوهُ مِنْ السُّدُسِ، وَهَذَا حُكْمُهُمْ لِلْأَبِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَجَبُوا بِالْجَدِّ الْأَخَ لِلْأُمِّ وَهَكَذَا حُكْمُهُمْ فِي الْأَبِ فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ وَحُكْمِ الْأَبِ فِيمَا سِوَاهَا قُلْنَا إنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ أَحْكَامِهِ فِيهَا قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلْجَدِّ عَلَى الْأَبِ قَالُوا وَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْنَا أَرَأَيْتُمْ الْجَدَّ لَوْ كَانَ إنَّمَا يَرِثُ بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ هَلْ كَانَ اسْمُ الْأُبُوَّةِ يُفَارِقُهُ لَوْ كَانَ دُونَهُ أَبٌ، أَوْ يُفَارِقُهُ لَوْ كَانَ قَاتِلًا أَوْ مَمْلُوكًا، أَوْ كَافِرًا؟ قَالَ: لَا قُلْنَا، فَقَدْ نَجِدُ اسْمَ الْأُبُوَّةِ يَلْزَمُهُ، وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهُ بِالْخَبَرِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ لَا بِاسْمِ الْأُبُوَّةِ قَالَ: فَإِنَّهُمْ لَا يُنْقِصُونَهُ مِنْ السُّدُسِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْأَبِ قُلْنَا وَنَحْنُ لَا نَنْقُصُ الْجَدَّةَ مِنْ السُّدُسِ أَفَتَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ فَتَقِفُهَا مَوْقِفَ الْأَبِ فَتَحْجُبُ بِهَا الْإِخْوَةُ؟ قَالُوا: لَا وَلَكِنْ قَدْ حَجَبْتُمْ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ بِالْجَدِّ كَمَا حَجَبْتُمُوهُمْ بِالْأَبِ قُلْنَا نَعَمْ قُلْنَا هَذَا خَبَرًا لَا قِيَاسًا، أَلَا تَرَى أَنَّا نُحَجِّبُهُمْ بِابْنَةِ ابْنٍ مُتَسَفِّلَةٍ، وَلَا نَحْكُمُ لَهَا بِحُكْمِ الْأَبِ.

وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّ الْفَرَائِضَ تَجْتَمِعُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ قَالُوا وَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا أَبَا الْأَبِ كَالْأَبِ كَمَا جَعَلْتُمْ ابْنَ الِابْنِ كَالِابْنِ؟ قُلْنَا لِاخْتِلَافِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَا الْأَبْنَاءَ أَوْلَى بِكَثْرَةِ الْمَوَارِيثِ مِنْ الْآبَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَتْرُكُ أَبَاهُ وَابْنَهُ فَيَكُونُ لِابْنِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِأَبِيهِ السُّدُسُ وَيَكُونُ لَهُ بَنُونَ يَرِثُونَهُ مَعًا، وَلَا يَكُونُ أَبَوَانِ يَرِثَانِهِ مَعًا، وَقَدْ نُوَرِّثُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ الْأُخْتَ، وَلَا نُوَرِّثُ ابْنَتَهَا أَوْ نُوَرِّثُ الْأُمَّ، وَلَا نُوَرِّثُ ابْنَتَهَا إذَا كَانَ دُونَهَا غَيْرَهَا، وَإِنْ وَرَّثْنَاهَا لَمْ نُوَرِّثْهَا قِيَاسًا عَلَى أُمِّهَا، وَإِنَّمَا وَرَّثْنَاهَا خَبَرًا لَا قِيَاسًا قَالَ: فَمَا حُجَّتُكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>