للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ وَتَقُولُ زَوْجَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَبِهَذَا نَأْخُذُ قُلْنَا عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا بِبَلَدِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ بُرًّا كَانَ أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً لَا يُكَلَّفُ غَيْرَ الطَّعَامِ الْعَامِّ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَقْتَاتُهُ مِثْلُهَا وَمِنْ الْكِسْوَةِ وَالْأُدُمِ بِقَدْرِ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} فَلَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِمْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ كَمَا وُصِفَتْ فِي الْقُرْآنِ وَأَبَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَإِنْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِمْ فَعَجَزُوا عَنْهَا لَمْ يُجْبَرْنَ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهُمْ مَعَ الْعَجْزِ عَمَّا لَا غِنَى بِهِنَّ عَنْهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَالَ وَبِالِاسْتِدْلَالِ قُلْنَا إذَا عَجَزَ الرَّجُلُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقُلْنَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ إذَا مَلَكَ عُقْدَةَ نِكَاحِهَا وَخَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَأَخَّرَ ذَلِكَ هُوَ وَنَفَقَتُهَا مُطَلَّقَةً طَلَاقًا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَ مِثْلُهَا لَا يَخْدُمُ نَفْسَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ لَهَا وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَغَابَ عَنْهَا قَضَى لَهَا بِنَفَقَتِهَا فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى يَقْدَمَ وَتَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ حَكَمَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا فِي الشُّهُورِ الَّتِي مَضَتْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً ذِمِّيَّةً وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ ضَرَبَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُدَّةَ الَّتِي حَبَسَهَا لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا.

الْخِلَافُ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا وَإِذَا غَابَ عَنْهَا وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ إنْ طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا فَرَضَ عَلَيْهِ لَهَا نَفَقَةً وَكَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ ذَلِكَ حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا زَمَانٌ ثُمَّ طَلَبَتْهُ فَرَضَ لَهَا مِنْ يَوْمِ طَلَبَتْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَمْ تَطْلُبْ فِيهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا إذَا طَلَّقَهَا مَلَكَ رَجْعَتَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَالَ لِي كَيْفَ قُلْت فِي الرَّجُلِ يَعْجِزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت لَمَّا كَانَ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ وَمَضَتْ بِذَلِكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآثَارِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالسُّنَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَبْسُهَا عَلَى نَفْسِهِ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَمَنْعُهَا عَنْ غَيْرِهِ تَسْتَغْنِي بِهِ وَهُوَ مَانِعٌ لَهَا فَرْضًا عَلَيْهِ عَاجِزًا عَنْ تَأْدِيَتِهِ وَكَانَ حَبْسُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ يَأْتِي عَلَى نَفْسِهَا فَتَمُوتُ جُوعًا وَعَطَشًا وَعُرْيًا قَالَ فَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى أَهْلِهِ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تَقُولُ امْرَأَتُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خَادِمُك أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ بِعْنِي (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ عَلَيْهِ طَلَاقَهَا قُلْت أَمَّا بِنَصٍّ فَلَا وَأَمَّا بِالِاسْتِدْلَالِ فَهُوَ يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقُلْت لَهُ تَقُولُ فِي خَادِمٍ لَهُ لَا عَمَلَ فِيهَا بِزَمَانَةٍ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا؟ قَالَ نَبِيعُهَا عَلَيْهِ قُلْت فَإِذَا صَنَعْت هَذَا فِي مِلْكِهِ كَيْفَ لَا تَصْنَعُهُ فِي امْرَأَتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُ؟ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ. قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو الزِّنَادِ قُلْت سَنَةً؟ قَالَ سَعِيدٌ سَنَةً وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ سَعِيدٍ سَنَةً أَنْ يَكُونَ سَنَةً رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْصُوصًا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَنَعَهَا مِنْ حُقُوقِهَا الَّتِي لَا تُفَرِّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>