يَعُدُّونَهُ لَهُمْ طَعَامًا، فَكَانَ يَلْزَمُنَا لَوْ ذَهَبْنَا هَذَا الْمَذْهَبَ أَنْ نَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمْ الْحَلَالِ لَهُمْ عِنْدَهُمْ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَاهَا مَا وَصَفْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أَحَلَّ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَمَا حَرَّمَ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا قَبْلَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَنُسِخَ بِهِ مَا خَالَفَهُ مِنْ كُلِّ دِينٍ أَدْرَكَهُ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ وَافْتَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ اتِّبَاعَهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَذِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ صَاغِرُونَ غَيْرَ عَاذِرٍ لَهُمْ بِتَرْكِهِمْ الْإِيمَانَ وَلَا مُحَرِّمٍ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحَلَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلَا مُحِلٍّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَوَاءٌ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرْبِيِّينَ كَانُوا أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ ذِمَّةً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا أَكْرَهُ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ الْمُسْلِمِ وَلَا الْمَجْنُونِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلَا أَقُولُ إنَّهَا حَرَامٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ زَعَمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِي عَنْ هَذَيْنِ لَوْ صَلَّيَا وَأَنَّ ذَكَاتَهُمَا تُجْزِي؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاةِ وَالذَّكَاةِ، الصَّلَاةُ أَعْمَالٌ لَا تُجْزِي إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَلَا تُجْزِي إلَّا بِطَهَارَةٍ وَفِي وَقْتٍ وَأَوَّلٍ وَآخِرٍ، وَهُمَا مِمَّا لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ وَالذَّكَاةُ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى عَلَيْهَا فَإِذَا أَتَيَا عَلَيْهَا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَجْعَلَهُمَا فِيهَا أَسْوَأَ حَالًا مِنْ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ حَائِضٍ أَوْ صَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ أَوْ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تُجْزِي ذَكَاتُهُ، فَقُلْت بِهَذَا الْمَعْنَى: إنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ الْإِتْيَانُ عَلَى الذَّكَاةِ.
كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ وَلَيْسَ فِي التَّرَاجِمِ وَتَرْجَمَ فِيهِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَصْلُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ شَيْئَانِ، ثُمَّ يَتَفَرَّقَانِ فَيَكُونُ مِنْهَا شَيْءٌ مُحَرَّمٌ نَصًّا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَيْءٌ مُحَرَّمٌ فِي جُمْلَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَارِجٌ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَمِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} وَيَقُولُ {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} فَأَهْلُ التَّفْسِيرِ أَوْ مَنْ سَمِعْت مِنْهُ مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْهَا وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ لَا يَجُوزُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ تَكُونَ الْخَبَائِثُ مَعْرُوفَةً عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِهَا وَالطَّيِّبَاتُ كَذَلِكَ إمَّا فِي لِسَانِهَا وَإِمَّا فِي خَبَرٍ يَلْزَمُهَا وَلَوْ ذَهَبَ إلَى أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَا حَرُمَ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ وَمَا لَمْ يَنُصَّ بِتَحْرِيمٍ فَهُوَ حَلَالٌ أَحَلَّ أَكْلَ الْعَذِرَةِ وَالدُّودِ وَشُرْبِ الْبَوْلِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُنَصَّ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْخَبَائِثِ الَّتِي حَرَّمُوا فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِهِمْ وَكَانَ هَذَا فِي شَرٍّ مِنْ حَالِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمُحَرَّمَيْنِ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ يُنَجِّسَانِ مَا مَاسَّا وَقَدْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرَ نَجِسَةٍ فَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ اللَّذَانِ لَمْ يَكُونَا قَطُّ إلَّا نَجِسَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَا أَنْ يُؤْكَلَا أَوْ يُشْرَبَا.
وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَفِيهِ كِفَايَةٌ مَعَ أَنَّ ثَمَّ دَلَالَةٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ هَذَا عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ مَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ الطَّائِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute