الْمُدَبَّرِ شَيْءٌ يُبَاعُ بِهِ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلَوْ
دَبَّرَ السَّيِّدُ، ثُمَّ خَرِسَ فَلَمْ يَنْطِقْ حَتَّى مَاتَ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلَا يُنْقَضُ التَّدْبِيرُ إلَّا بِإِبْطَالِهِ إيَّاهُ فِي حَيَاتِهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ يَدَيْهِ، أَوْ مَا وَصَفْت مِنْ حَقٍّ يَلْزَمُهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ، أَوْ ذِمَّةِ السَّيِّدِ وَلَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ خَرِسَ وَكَانَ يَكْتُبُ، أَوْ يُشِيرُ إشَارَةً تُفْهَمُ فَرَجَعَ فِي تَدْبِيرِهِ بِإِشَارَةٍ، أَوْ كِتَابٍ كَانَ رُجُوعُهُ كَرُجُوعٍ بِالْكَلَامِ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَلَوْ دَبَّرَهُ صَحِيحًا، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي التَّدْبِيرِ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ، ثُمَّ ثَابَ إلَيْهِ عَقْلُهُ فَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ تَدْبِيرًا كَانَ التَّدْبِيرُ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بَاطِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ.
جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ وَمَا يُخْرِجُ بَعْضَهُ مِنْ التَّدْبِيرِ وَمَا لَا يُخْرِجُهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَةً فَهُوَ كَالْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يُدَبَّرْ إنْ شَاءَ سَيِّدُهُ تَطَوَّعَ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ ذَلِكَ يَنْقُضُ التَّدْبِيرَ وَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْتَغْرِقُ عِتْقَهُ بِيعَ فِيهَا فَدُفِعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ فَلَا غُرْمَ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَلِيلَةً وَثَمَنُ الْمُدَبَّرِ كَثِيرًا قِيلَ لِسَيِّدِهِ إنْ أَحْبَبْت أَنْ يُبَاعَ كُلَّهُ وَيُدْفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَيُدْفَعَ إلَيْك بَقِيَّةُ ثَمَنِهِ بِعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَك بَيْعُهُ بِلَا جِنَايَةٍ وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ لَا يُبَاعَ كُلُّهُ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ لَك رَقِيقًا مُدَبَّرًا كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ الثُّلُثُ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، ثُمَّ لَك فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ مَا كَانَ لَك فِي كُلِّهِ مِنْ إبْطَالِ تَدْبِيرِهِ وَبَيْعِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَدْبِيرِ ذَلِكَ الثُّلُثِ ابْتِدَاءً (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَيْمَان لَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ تَدْبِيرِهِ فَجَنَى بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى التَّدْبِيرِ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُدَبِّرِ فَهُوَ كَعَبْدٍ غَيْرِ مُدَبَّرٍ جَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ عَبْدٌ فِي كُلِّ جِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يُدَبَّرْ مَا لَمْ يَمُتْ سَيِّدُهُ فَيُعْتِقُهُ فَتَتِمُّ شَهَادَتُهُ وَحُدُودُهُ وَجِنَايَتُهُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَسَهْمُهُ إذَا حَضَرَ الْحَرْبَ وَمِيرَاثُهُ كُلُّ هَذَا هُوَ فِيهِ عَبْدٌ وَكَذَلِكَ طَلَاقُهُ وَنِكَاحُهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ حُرٌّ جِنَايَةً تُتْلِفُهُ، أَوْ تُتْلِفُ بَعْضَهُ فَأَخَذَ سَيِّدُهُ قِيمَتَهُ أَوْ أَرْشَ مَا أُصِيبَ مِنْهُ كَانَ مَالًا مِنْ مَالِهِ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي مِثْلِهِ وَإِنْ شَاءَ لَا، فَهُوَ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَلَيْهِ عَبْدًا فَأَسْلَمَ إلَيْهِ وَالْمُدَبَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيٌّ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ، وَالْقَوْلُ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي خُرُوجِ الْمُدَبَّرِ إلَى سَيِّدِهِ الْمُدَبِّرِ كَالْقَوْلِ فِيمَا أَخَذَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ مِنْ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ مُدَبَّرًا مَعَهُ وَإِنْ شَاءَ كَانَ مَالًا مِنْ مَالِهِ يتموله إنْ شَاءَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ أَخَذَ الْعَبْدُ بِمَا لَزِمَ الْجَانِي لَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى مُدَبَّرَةٍ، ثُمَّ سَكَتَ فَلَمْ يَقُلْ هُوَ مُدَبَّرٌ مَعَ الْعَبْدِ وَلَا هُوَ رَقِيقٌ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ لَهُ تَدْبِيرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ مُدَبَّرًا فَأُسْلِمَ إلَيْهِ عَبْدٌ، أَوْ عَبْدَانِ قَتَلَاهُ لَمْ يَكُونَا مُدَبَّرَيْنِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ لَهُمَا تَدْبِيرًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى عَلَيْهِ فَكَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَبْدًا، أَوْ مَالًا كَانَا كَمَا كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُ وَلَا تَزْعُمُ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute