للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ دَفَعْت إلَيْهِ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ لَمْ تَدْفَعْ كُلُّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ بَيْعَهَا بِكُلِّ حَالٍ وَسَوَاءٌ فِي الصَّدَقَاتِ كُلُّ مَا جَازَتْ فِيهِ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ مِنْ أَرْضٍ وَدَارٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى مَا شَرَطَ الْمُتَصَدِّقُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَتِهَا فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ الْأَثَرَةَ بِالتَّقَدُّمَةِ، أَوْ الزِّيَادَةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَذَلِكَ عَلَى مَا اشْتَرَطَ فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ فَسَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، أَوْ فُقَرَاءَ فَإِنْ قَالَ الْأَحْوَجُ مِنْهُمْ فَالْأَحْوَجُ كَانَتْ عَلَى مَا شَرَطَ لَا يُعَدَّى بِهَا شَرَطَهُ، وَإِنْ شَرَطَهَا عَلَى جَمَاعَةِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ تَخْرُجُ النِّسَاءُ مِنْهَا إذَا تَزَوَّجْنَ وَيَرْجِعْنَ إلَيْهَا بِالْفِرَاقِ وَمَوْتِ الْأَزْوَاجِ كَانَتْ عَلَى مَا شَرَطَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ بِأَنْ يَخْرُجَ الرِّجَالُ مِنْهَا بَالِغِينَ وَيَدْخُلُوا صِغَارًا، أَوْ يَخْرُجُوا أَغْنِيَاءَ وَيَدْخُلُوا فُقَرَاءَ، أَوْ يَخْرُجُوا غُيَّبًا عَنْ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الصَّدَقَةُ وَيَدْخُلُوا حُضُورًا كَيْفَمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ إذَا بَقِيَ لِمَنْفَعَتِهَا مَالِكٌ سِوَى مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا.

الْخِلَافُ فِي الْحَبْسِ وَهِيَ الصَّدَقَاتُ الْمَوْقُوفَاتُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ فَقَالَ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ قَالَ وَقَالَ شُرَيْحٌ جَاءَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِطْلَاقِ الْحَبْسِ قَالَ وَقَالَ شُرَيْحٌ لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْحَبْسُ الَّتِي جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِطْلَاقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَالسَّائِبَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ مَا عَلِمْنَا جَاهِلِيًّا حَبَسَ دَارًا عَلَى وَلَدٍ، وَلَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا عَلَى مَسَاكِينَ وَحَبْسُهُمْ كَانَتْ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِطْلَاقِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إطْلَاقُهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهُوَ يَحْتَمِلُ مَا وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ إطْلَاقَ كُلِّ حَبْسٍ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَبْسَ فِي الدُّورِ وَالْأَمْوَالِ خَارِجَةٌ مِنْ الْحَبْسِ الْمُطْلَقَةِ؟ قِيلَ: نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «جَاءَ عُمَرُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَصَبْت مَالًا لَمْ أُصِبْ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبِّسْ أَصْلَهُ وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَحَجَّةُ الَّذِي أَبْطَلَ الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ: لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لَا حُجَّةَ فِيهَا عِنْدَنَا، وَلَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ قَوْلَ شُرَيْحٍ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حَبْسٌ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قِيلَ: إنَّمَا أَجَزْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ إذَا كَانَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا صَحِيحًا فَارِغَةً مِنْ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَمْ نُجِزْهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ حَبْسٌ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَإِذَا حَبَّسَهَا صَحِيحًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تُوَرَّثْ عَنْهُ قِيلَ: فَهُوَ أَخْرَجَهَا، وَهُوَ مَالِكٌ لِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا لِأَكْثَرِ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَك أَرَأَيْت لَوْ وَهَبَهَا لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ بَاعَهُ إيَّاهَا فَحَابَاهُ أَيَجُوزُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلَ ثُمَّ مَاتَ أَتُوَرَّثُ عَنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: فَهَذَا قَرَارٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى، وَهُوَ يَمْلِكُ وَقَبْلَ وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ: وَهَكَذَا الصَّدَقَةُ تَصَدَّقَ بِهَا صَحِيحًا قَبْلَ وُقُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>