لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ بِرِضًا مِنْهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الرِّبَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَضَعَ مِنْ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ أَوَّلُ رِبًا وَضَعَهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ الْمُسْلِمُ أَكْلَ الرِّبَا فِي قَوْمٍ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؟ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُ يُبَايِعُ الْكَافِرَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَحِلُّ هَذَا وَلَا يَجُوزُ وَقَدْ بَلَغَتْنَا الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرِّبَا وَإِنَّمَا أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حَدَّثَنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ» وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَقَابَضُوا ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَبْطَلَهُ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا تَقَابَضُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْقَوْلُ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْحُجَّةُ كَمَا احْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ.
فِي أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ وَتَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أُمِّ وَلَدٍ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ أَنَّهَا تُزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَيُّ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ بِدِينِهَا فَحَالُهَا كَحَالِ الْمُهَاجِرَاتِ لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مِثْلُهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ لَا ثَلَاثَ حِيَضٍ.
الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَخَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَتْ بِحُبْلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَوْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُهَاجِرَاتِ قَدِمْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَزْوَاجُهُنَّ بِمَكَّةَ مُشْرِكُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَأَدْرَكَ امْرَأَتَهُ فِي عِدَّتِهَا رَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْعِدَّةُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعِدَّةُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا يَتَزَوَّجْنَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ وَلَا سَبِيلَ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَلَا لِلْمَوَالِي عَلَيْهِنَّ آخِرَ الْأَبَدِ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَدَّ زَيْنَبَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ» وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّبَايَا يُوطَأْنَ إذَا اسْتُبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَقَالَ السَّبَاءُ وَالْإِسْلَامُ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ عَبْدَيْنِ خَرَجَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الطَّائِفِ فَأَعْتَقَهُمَا». وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا «أَنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ خَاصَمُوا فِي عَبِيدٍ خَرَجُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا خَرَجَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةً وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَنْقَضِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute