للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى غَيْرِ مِلْكٍ كَالْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُمْ بِعِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَمَا كَانَ مِنْ سَبَبِ عِتْقٍ كَانَ مُخَالِفًا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَتْ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ نَذْرًا فَأَبْطَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَفِي هَذَا لِغَيْرِهِ دَلَالَةٌ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فِيهِ لَمْ يَبَرَّ نَذْرُهُ وَلَمْ يُكَفِّرْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْطَلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةً وَالسُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَاءَتْ بِمِثْلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَيْلِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَكَانَ الثَّقَفِيُّ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: «نَذَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ انْقَلَبَتْ عَلَى نَاقَةٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَنْحَرَهَا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِكَفَّارَةٍ إذَا بَطَلَ النَّذْرُ وَالْمَعْصِيَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ تَنْحَرَ الْمَرْأَةُ نَاقَةَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا مِمَّا لَا تَمْلِكُ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عِتْقُهُ، وَكَذَلِكَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا نَذَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ مِمَّا لَا طَاعَةَ فِي فِعْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ بِتَرْكِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِأَبِي إسْرَائِيلَ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا لَهُ؟ فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يُكَلِّمَ أَحَدًا وَيَصُومَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَظِلَّ وَيَقْعُدَ وَيُكَلِّمَ النَّاسَ وَيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ».

الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقَالَ قَائِلٌ فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ نَفْسَهُ قَالَ يَذْبَحُ كَبْشًا وَقَالَ: آخَرُ يَنْحَرُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَاحْتَجَّا فِيهِ مَعًا بِشَيْءٍ يُرْوَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقَالُ لِقَائِلِ هَذَا وَكَيْفَ يَكُونُ فِي مِثْلِ هَذَا كَفَّارَةٌ؟ فَقَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي الْمُتَظَاهِرِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} وَأَمَرَ فِيهِ بِمَا رَأَيْت مِنْ الْكَفَّارَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا أَرَأَيْت إذَا كَانَ كِتَابُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ مَا جَعَلَ لَا طَاعَةَ لِلَّهِ فِيهِ مِنْ الْبَحِيرَةِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ وَكَانَتْ السُّنَنُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ النَّذْرِ بِلَا كَفَّارَةٍ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ لَا نَذْرَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا شَيْءَ إذَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِذَا كَانَ لَا شَيْءَ كَانَ كَمَا لَمْ يَكُنْ. وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ قَوْلًا يُوجَدُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُ ذَلِكَ الْقَوْلِ حُجَّةٌ. قَالَ وَقُلْت لَهُ كَانَ مِنْ طَلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِيَةِ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِيلَاءِ بِتَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَفِيئُوا أَوْ يُطَلِّقُوا وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِكَفَّارَةٍ وَجَعَلَهَا مُؤَقَّتَةً وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَفَّارَةٍ إلَّا وَقْتَهَا وَوَقَّتَ مَنْ يُعْطَاهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا ثُمَّ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ كَمَا شَاءَ فَجَعَلَ فِي الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ مَكَانَ عِتْقِ الرَّقَبَةِ صَوْمَ شَهْرَيْنِ وَزَادَ فِي الظِّهَارِ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَجَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ وَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>