للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ «كُنْت بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةٍ» وَقَالَ الْأَعْشَى لِامْرَأَتِهِ:

أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ

فَقِيلَ لَهُ فَأَنْتَ إذَا قُلْت هُوَ خَاصٌّ عَلَى بَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ تَأْتِ فِيهِ بِدَلَالَةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَجْعَلْهُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْجِوَارِ وَحَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَقَدْ خَالَفْتهمَا مَعًا، ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الدَّارَ تُبَاعُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ دَارِ الرَّجُلِ رَحْبَةٌ فِيهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا طَرِيقٌ نَافِذَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذَةٌ عَرْضُهَا ذِرَاعٌ لَمْ تَجْعَلْ فِيهَا الشُّفْعَةَ فَجَعَلْت الشُّفْعَةَ لِأَبْعَدِ الْجَارَيْنِ وَمَنَعْتهَا أَقْرَبَهُمَا وَزَعَمْت أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ قُسِمَتْ وَصِيَّتُهُ عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَ دَارِهِ وَدَارِهِ أَرْبَعُونَ دَارًا فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ الشُّفْعَةَ عَلَى مَا قُسِمَتْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ إذَا خَالَفْت حَدِيثَنَا وَحَدِيثَ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ الَّذِي احْتَجَجْت بِهِ؟ قَالَ فَهَلْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا نَعَمْ وَلَا يَضُرُّنَا بَعْدُ إذْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَقُولَ بِهِ أَحَدٌ قَالَ، فَمَنْ قَالَ بِهِ؟ قِيلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ.

وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّارَ وَسَمَّى أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَهَا بِهِ فَسَلَّمَ ذَلِكَ الشَّفِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ وَرَضِيَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ» أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَوْ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَاذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ النَّصِيبَ مِنْ الدَّارِ فَقَالَ أَخَذْته بِمِائَةٍ فَسَلَّمَ ذَلِكَ الشَّفِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ بَعْدُ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِائَةِ فَلَهُ حِينَئِذٍ الشُّفْعَةُ وَلَيْسَ تَسْلِيمُهُ بِقَاطِعٍ شُفْعَتَهُ إنَّمَا سَلَّمَهُ عَلَى ثَمَنٍ فَلَمَّا عَلِمَ مَا هُوَ دُونَهُ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، وَلَوْ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي سَلَّمَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُفْعَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَهُ بِالْأَقَلِّ كَانَ الْأَكْثَرُ أَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ بِهِ.

بَابُ الْمُزَارَعَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَعْطَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضًا مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ، أَوْ الرُّبُعِ، أَوْ أَعْطَى نَخْلًا، أَوْ شَجَرًا مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ يَقُولُ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ أَلَيْسَ كَانَ عَمَلُهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ ذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ بَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْطَى خَيْبَرَ بِالنِّصْفِ» فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى قُبِضَ وَخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَامَّةِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَبِهِ يَأْخُذُ وَإِنَّمَا قِيَاسُ هَذَا عِنْدَنَا مَعَ الْأَثَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يُعْطِي الرَّجُلَ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>