فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالَا يُقَاسِمُ الْأَخَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ نِصْفَيْنِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُ أَنْ قَالَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ، وَهُوَ سَوَاءٌ فِي مَالِ أَبِيهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَلَا مِيرَاثَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَحَدٍ نَسَبَهُ رَجُلٌ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ حَقِّهِ فِي أَبِيهِ كَحَقِّهِ فَدَفَعَ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبٌ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مَعًا أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ الَّذِي إنَّمَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ فَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ، وَيَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ أَجَزْت أَنْ يُقِرَّ ابْنُ الرَّجُلِ إذَا كَانَ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ بِالْأَخِ فَتُلْحِقُهُ بِالْأَبِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ؟ قِيلَ لَهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَمْرٍ لَا يَدْخُلُ ضَرَرُهُ عَلَى مَيِّتٍ إنَّمَا يَدْخُلُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ فِيمَا يُنْتَقَصُ مِنْ شَرِكَتِهِ فِي مِيرَاثِ الْأَبِ وَوَجَدْته إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا بِوِرَاثَةِ أَبِيهِ الْقَائِمِ بِكُلِّ حَقٍّ لِأَبِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعْفُو دَمَهُ فَيَجُوزُ عَفْوُهُ كَمَا لَوْ عَفَا أَبُوهُ جُرْحَ نَفْسِهِ جَازَ عَفْوُهُ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ بِالْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَ أَبَاهُ كَمَا كَانَ أَبُوهُ قَائِمًا بِالْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ؟ أَلَا تَرَى أَنْ لَوْ كَانَتْ لِأَبِيهِ بَيِّنَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ أَوْ مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ أَخَذَ لَهُ بِهَا، وَأَخَذَ لِلِابْنِ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ أَكْذَبَهَا الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ، وَالْأَبُ مُدَّعٍ لَهَا أَبْطَلْنَاهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَامَ مَقَامَهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي هَذَا خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا نَعَمْ الْخَبَرُ الَّذِي النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ عَلَيْهِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ. فَإِنْ قَالَ مَا هُوَ؟ قِيلَ «اخْتَصَمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ كَانَ أَخِي عُتْبَةُ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُفِيضَهُ إلَيَّ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَأَلْحَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَعْوَةِ الْأَخِ، وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ» فَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ، وَأَنَّهَا قَدْ ادَّعَتْ مِنْهُ مَا ادَّعَى أَخُوهَا فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ.
الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ سَمَّاهُ، وَلَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ وَجَدْنَا فِي كُتُبِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ»
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَجَدْنَا فِي كُتُبِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَشْهَدُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ أَنْ يَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute