للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرْأَةُ تُسْبَى مَعَ زَوْجِهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حُكْمَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَاَللَّائِي سُبِينَ فَاسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَسَّمَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَهَى مَنْ صِرْنَ إلَيْهِ أَنْ يَطَأَ حَائِلًا حَتَّى تَحِيضَ أَوْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ وَذَلِكَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بِالسَّبَاءِ نَفْسِهِ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِوَطْءِ ذَاتِ زَوْجٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ إلَّا وَذَلِكَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتِيمَاؤُهُنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَطْعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَسَوَاءٌ أُسِرْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ بَعْدَ أَوْ كُنَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ لَا تَقَعُ الْعِصْمَةُ إلَّا مَا كَانَ بِالسِّبَاءِ الَّذِي كُنَّ بِهِ مُسْتَأْمَيَاتٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجَالًا مِنْ هَوَازِنَ فَمَا عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عَنْ أَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ أُسْبُوا مَعَهُنَّ أَوْ قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ أَوْ لَمْ يُسْبَوْا وَلَوْ كَانَ فِي أَزْوَاجِهِنَّ مَعْنًى يُسْأَلُ عَنْهُنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ خَلَّاهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ اسْتَحَلُّوا شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِمْ فَلَا حُجَّةَ بِالْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانُوا أَسْلَمُوا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَهُنَّ لِمَالِكِيهِنَّ وَهُوَ لَا يُبِيحُهُنَّ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَيْهِنَّ وَلَا يُبِيحُهُنَّ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَإِذَا انْقَطَعَ النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قَبْلَ زَوْجِهَا وَالزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اللَّائِي أَسْلَمْنَ وَلَمْ يُسْبَيْنَ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ وَبَعْدَهُمْ سُنَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرٌ عَلَيْهِ وَمَكَّةُ دَارُ كُفْرٍ وَبِهَا أَزْوَاجُهُمَا وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ أَمَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا وَهِنْدُ بِنْت عُتْبَةَ مُشْرِكَةً فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ: اُقْتُلُوا هَذَا الشَّيْخَ الضَّالَّ وَأَقَامَتْ عَلَى الشِّرْكِ حَتَّى أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَيَّامٍ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَأَقَامَتَا بِمَكَّةَ مُسْلِمَتَيْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا مُشْرِكَيْنِ نَاحِيَةَ الْيَمَنِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَلَمْ يُسْلِمْ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِكَاحِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لَمْ تَنْقَضِ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَزَعَمَ فِي الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ مَا زَعَمْنَا وَزَعَمَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ خِلَافَ مَا زَعَمْنَا وَأَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَتَقَارَبَ إسْلَامُهُ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ قَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ بِحَالٍ وَالْمَرْأَةُ الْمُشْرِكَةُ قَدْ تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِحَالٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً فَشَدَّدَ فِي الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهَوِّنَ فِيهِ وَهَوَّنَ فِي الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُشَدِّدَ فِيهِ لَوْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: مَا السُّنَّةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْت دُونَ مَا قَالَ؟ فَمَا وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا وَإِنْ قَالَ فَمَا الْكِتَابُ؟ قِيلَ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>