لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كَانَ خَرَاجُ الْكِرَاءِ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَكَارَى مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ لَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إنَّمَا نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ بِالدَّيْنِ وَالنَّصْرَانِيُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا كَمَا لَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمَيْنِ.
فِي الذِّمِّيِّ إذَا اتَّجَرَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا اتَّجَرَ الذِّمِّيُّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَقْتَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَصْلِ صُلْحٍ أَنَّهُمْ إذَا اتَّجَرُوا أَخَذَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ فَلَمَّا كَانَتْ الْجِزْيَةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عِنْدَ الْفَتْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلَسْنَا نَعْلَمُهُمْ صُولِحُوا عَلَى أَكْثَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا أَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ اتِّبَاعًا لَهُ عَلَى مَا أَخَذَهُ لَا نُخَالِفُهُ.
نَصَارَى الْعَرَبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذًا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا عَرَبِيًّا عَلَى الْجِزْيَةِ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَاعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ وَلَا يَصْبُغُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَعَلَّمَنَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ جِزْيَتَهُمْ نِعَمًا ثُمَّ رَوَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْفُلْجَة أَوْ ابْنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْ النَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ كَمَا وَصَفْت وَأَمَّا ذَبَائِحُهُمْ فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهَا خَبَرًا عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ وَلَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ فَلَوْ كَانَ مَنْ حَلَّ لَنَا أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ حَلَّ لَنَا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ أَكَلْنَا ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِ وَلَا نُنْكِرُ إذَا كَانَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وَكَانَ أَحَدُ صِنْفَيْهِمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ الْمَجُوسِ لَا تَحِلُّ لَنَا ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ وَالْجِزْيَةُ تَحِلُّ مِنْهُمَا مَعًا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فِي نَصَارَى الْعَرَبِ فَيَحِلُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute