قَالَ. لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَعْقِلٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَرْوُوهُ فَيَكُونُونَ قَالُوهُ بِرِوَايَةٍ. وَإِنَّمَا قَالُوا عِنْدَنَا بِالرَّأْيِ حَتَّى يَدَّعُوا فِيهِ رِوَايَةً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لِمَ لَا يَكُونُ مَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمُرْتَدِّ هَكَذَا؟ (قَالَ): وَقُلْت لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ وَمُعَاوِيَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُمْ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ، وَلَا تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا، أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: فَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَحْتَمِلُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ حُكْمِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كَثِيرًا مِمَّا حُمِّلَ، وَلَيْسَ مُعَاذٌ حُجَّةً، وَإِنْ قَالَ قَوْلًا وَاحْتَمَلَهُ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ الْحَدِيثَ (قُلْت): فَنَقُولُ لَك وَمُعَاذٌ يَجْهَلُ هَذَا، وَيَرْوِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَدْ يَجْهَلُ السُّنَّةَ الْمُتَقَدِّمُ الصُّحْبَةَ وَيَعْرِفُهَا قَلِيلُ الصُّحْبَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لَهُ كَيْفَ لَمْ تَقُلْ هَذَا فِي الْمُرْتَدِّ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَطَعَ الْكَلَامَ: وَقَالَ، وَلِمَ قُلْت يَكُونُ مَالُ الْمُرْتَدِّ فَيْئًا؟ (قُلْت): بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ دَمَ الْمُؤْمِنِ وَمَالَهُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ أَلْزَمَهُ إيَّاهَا، وَأَبَاحَ دَمَ الْكَافِرِ وَمَالَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ أَوْ يُسْتَأْمَنَ إلَى مُدَّةٍ، فَكَانَ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ دَمُ الْبَالِغِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هُوَ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ مَالُهُ، وَكَانَ الْمَالُ تَبَعًا لِلَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنْ الْإِسْلَامِ صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ أُبِيحَ دَمُهُ بِالْكُفْرِ لَا بِغَيْرِهِ وَكَانَ مَالُهُ تَبَعًا لِدَمِهِ، وَيُبَاحُ بِاَلَّذِي أُبِيحَ بِهِ مِنْ دَمِهِ، وَلَا يَكُونُ أَنْ تَنْحَلَّ عَنْهُ عُقْدَةُ الْإِسْلَامِ فَيُبَاحَ دَمُهُ وَيُمْنَعَ مَالَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ: فَإِنْ كُنْتَ شَبَّهْتَهُ بِأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَفَرَّقْتَهُ فِي آخَرَ (قُلْت): وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنْتَ لَا تَغْنَمُ مَالَهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَقْتُلَهُ، وَقَدْ يُغْنَمُ مَالُ الْحَرْبِيِّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَتَقْتُلَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لَهُ: الْحُكْمُ فِي أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمَانِ: فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَأُغِيرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ آخُذُ مَالَهُ وَإِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا أُغِيرُ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْعُوَهُ، وَلَا أَغْنَمُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا حَتَّى أَدْعُوَهُ فَيَمْتَنِعُ فَيَحِلُّ دَمُهُ وَمَالُهُ، فَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنْ يُدْعَى لَمْ يُغْنَمْ مَالُهُ حَتَّى يُدْعَى، فَإِذَا امْتَنَعَ قُتِلَ، وَغُنِمَ مَالُهُ.
كِتَابُ الْجَنَائِزِ بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ حَدٌّ يَنْتَهِي لَا يُجْزِئُ دُونَهُ، وَلَا يُجَاوَزُ، وَلَكِنْ يُغَسَّلُ فَيُنْقَى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُنَّ فِي غُسْلِ بِنْتِهِ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَعَابَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى مَالِكٍ، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غُسْلَ الْمَيِّتِ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ؟ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَابْنِ سِيرِينَ فَرَأَى مَالِكٌ مَعَانِيَهَا عَلَى إنْقَاءِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ رِوَايَتَهُمْ جَاءَتْ عَنْ رِجَالٍ غَيْرِ وَاحِدٍ فِي عَدَدِ الْغُسْلِ، وَمَا يُغَسَّلُ بِهِ، فَقَالَ: غَسَّلَ فُلَانٌ فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا: وَقَالَ: غُسِّلَ فُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا ثَمَّ وَرَأَيْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْضُرُهُمْ مِمَّا يُغَسَّلُ بِهِ الْمَيِّتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute