لَوْلَا أَنَّك لَا تَعْتَبِرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الشَّفَتَيْنِ عَقْلُهُمَا سَوَاءٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّفَتَيْنِ سِوَى هَذَا آثَارٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): الشَّفَتَانِ سَوَاءٌ وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالدِّيَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَيْسَتْ عَلَى قَدْرِ الْمَنَافِعِ وَهَكَذَا بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَصْدُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمْ تَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ إذَا كَانَ الَّذِي قَصَدَ قَصْدَهُ بِالرِّوَايَةِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا لَا يَقُولُ وَيَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا قَدْ تَرَكَهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنُصَّهُ فَيُسَمِّي مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُغَالِطَ بِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ أَسْمَعُهُ إذَا سَمَّى وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي كُلِّ دَهْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَعِيبُ عَلَى غَيْرِهِ أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الشَّفَتَيْنِ وَالْأَصَابِعَ سَوَاءٌ؟ قُلْنَا لَهُ دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَإِنْ قَالَ وَمَا ذَلِكَ؟ قِيلَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَصَابِعِ بِعُشْرِ عُشْرٍ وَالْأَصَابِعُ مُخْتَلِفَةُ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ إنَّمَا قَصَدَ قَصْدَ الْأَسْمَاءِ كَانَ يَنْبَغِي فِي كُلِّ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ» فَلَمْ أَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ فِي الْيُسْرَى مِنْ الْيَدَيْنِ مَا فِي الْيُمْنَى وَالْيُمْنَى أَنْفَعُ مِنْ الْيُسْرَى فَلَوْ كَانَ إذْ قَالَ فِي الْيَدِ خَمْسُونَ عَنَى بِهَا الْيُمْنَى وَكَانَ لِلنَّاسِ أَنْ يُفَضِّلُوا بَيْنَ الْيَدَيْنِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِي الْيُسْرَى أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ وَلَوْ كَانَ قَصَدَ فِي الْيَدِ الَّتِي جُعِلَ فِيهَا خَمْسُونَ قَصْدَ الْيُسْرَى انْبَغَى أَنْ يَكُونَ فِي الْيُمْنَى أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ فَلَمَّا رَأَيْنَا مَذَاهِبَ الْفُقَهَاءِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى الْأَسْمَاءِ وَالسَّلَامَةِ فَإِذَا جُمِعَ الْعُضْوَانِ وَأَكْثَرُ الْأَسْمَاءِ وَالسَّلَامَةُ كَانَا سَوَاءً وَهَكَذَا هَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْأَسْنَانِ سَوَاءٌ وَالثَّنِيَّةُ أَنْفَعُ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْعَقْلِ.
بَابٌ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَفَقْءُ الصَّحِيحَةِ مِنْ عَيْنَيْهِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَلِلصَّحِيحِ الْقَوَدُ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَإِنَّ عَلَى مَا قُلْته نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَقِيدَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارِ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الصَّحِيحَةِ إذَا فُقِئَتْ إنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الَّتِي فَقَأَهَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَهِيَ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ إذَا فُقِئَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَكَيْفَ صَارَتْ عَيْنُ الْأَعْوَرِ أَفْضَلَ مِنْ عَيْنِ الصَّحِيحِ؟ هَذَا عَقْلٌ أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا فَجَعَلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفَ الدِّيَةِ، فَإِنْ فُقِئَتْ عَيْنُ رَجُلٍ فَغَرِمَ الْفَاقِئُ نِصْفَ الدِّيَةِ
، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ عَدَا عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى فَفَقَأَهَا خَطَأً لَمْ يَجِبْ عَلَى الْفَاقِئِ الثَّانِي الدِّيَةُ كَامِلَةً فَيَكُون الرَّجُلُ قَدْ أَخَذَ فِي عَيْنَيْهِ دِيَةً وَنِصْفًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِيهِمَا دِيَةً فَفِي الْأُولَى نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَيْسَ يَتَحَوَّلُ ذَلِكَ بِفَقْءِ الْأُولَى وَلَا تُزَادُ إحْدَاهُمَا فِي عَقْلِهَا عَلَى الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا يَفْقَأُ الْأُخْرَى يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ هَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ وَأَنْ يَقُولَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ يَزْدَادُ شَيْئًا لِعَيْنٍ فُقِئَتْ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ إنْ كَانَ الْفَقْءُ عَمْدًا فَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَلَهُ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَهُ الْعَقْلُ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ ثُلُثَاهَا فِي مُضِيِّ سَنَةٍ وَثُلُثُهَا فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute