حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَكَمَ فِي الْعَمْدِ وَمَا حَكَمَ بِهِ عُمَرُ كَمَا حَكَمَ فِي الْخَطَأِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خِلَافَ الْآخَرِ فَإِنْ صِرْتُمْ إلَى أَنْ تَقُولُوا: إنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ إنَّهُمَا قَسَامَةٌ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَجْعَلُ الْخَطَأَ قِيَاسًا عَلَى الْعَمْدِ فَمَا كَانَ لَا يَتَوَجَّهُ مِنْ حَدِيثٍ يُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَلَى خِلَافِهِ أَوْلَى أَنْ تَصِيرُوا فِيهِ إلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْتَلِفَ أَقَاوِيلُكُمْ.
بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضِّرْسِ وَالتَّرْقُوَةِ وَالضِّلْعِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الضِّرْسِ بِجَمَلٍ وَفِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ وَفِي الضِّلَعِ بِجَمَلٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَضَى عُمَرُ فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ وَقَضَى مُعَاوِيَةُ فِي الْأَضْرَاسِ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَالدِّيَةُ تَنْقُصُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ وَتَزِيدُ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ فَلَوْ كُنْت أَنَا لَجَعَلْت فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ فِي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَنَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّرْقُوَةِ وَفِي الضِّلْعِ حُكْمٌ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةٌ بِاجْتِهَادٍ قَالَ: فَقَدْ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ كُلَّهُ فَقُلْتُمْ فِي الْأَضْرَاسِ خَمْسٌ خَمْسٌ وَهَكَذَا نَقُولُ لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السِّنِّ خَمْسٌ كَانَتْ الضِّرْسُ سِنًّا قَالَ: فَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِمَّا أَقْبَلَ مِنْ الْفَمِ مِمَّا اسْمُهُ سِنٌّ فَإِذَا كَانَتْ لَنَا وَلَكُمْ حُجَّةٌ بِأَنْ نَقُولَ: الضِّرْسُ سِنٌّ وَنَذْهَبَ إلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا وَنُخَالِفَ غَيْرَهُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ تَوَجَّهَ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ لَا نَتْرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا أَبَدًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا أَنْ تَتْرُكُوا قَوْلَ عُمَرَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَتْرُكُوا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ عُمَرَ مَرَّةً فَهَذَا مَا لَا يَجْهَلُ عَالِمٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: وَخَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي التَّرْقُوَةِ وَالضِّلْعِ فَقُلْتُمْ: لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مُوَقَّتٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَنَا أَقُولُ بِقَوْلِ عُمَرَ فِيهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا عَلِمْت فَلَمْ أَرَ أَنْ أَذْهَبَ إلَى رَأْيِي وَأُخَالِفَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ عُمَرَ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرٌ بَعِيرٌ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَقَالَ: فِيهِمَا بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَإِذَا كَانَ سَعِيدٌ يَعْرِفُ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ وَلَمْ يَذْهَبْ أَيْضًا إلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَكُنْتُمْ تُخَالِفُونَ عُمَرَ ثُمَّ تُخَالِفُونَ سَعِيدًا فَأَيْنَ مَا تَدَّعُونَ أَنَّ سَعِيدًا إذَا قَالَ قَوْلًا لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَتَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ فِي شَيْءٍ وَهَا أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ فَأَيْنَ مَا زَعَمْتُمْ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَدِينَةِ كَالْوِرَاثَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَحِكَايَتُهُمْ إذَا حَكَوْا وَحَكَيْتُمْ عَنْهُمْ اخْتِلَافًا فَكَذَلِكَ حِكَايَةُ غَيْرِكُمْ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا الْإِجْمَاعُ عِنْدَهُمْ فِيمَا يُوجَدُ الْإِجْمَاعُ فِيهِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَأَنَّ أَوْلَى عِلْمِ النَّاسِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ إجْمَاعٌ بِالْمَدِينَةِ الدِّيَاتُ لِأَنَّ ابْنَ طَاوُسٍ قَالَ: عَنْ أَبِيهِ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَقْلٍ وَصَدَقَاتٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِهِ الْوَحْيُ وَعُمَرُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِنْ النَّاسِ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ فِي الدِّيَاتِ وَخَالَفْتُمْ ابْنَ الْمُسَيِّبِ بَعْدَهُ فِيهَا وَلَا أَرَى دَعْوَاكُمْ الْمَوْرُوثَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ وَمَا أَرَاكُمْ قَبِلْتُمْ عَنْ عُمَرَ هَذَا وَمَا أَجِدُكُمْ تَقْبَلُونَ الْعِلْمَ إلَّا عَنْ أَنْفُسِكُمْ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute