مِنْ طَاعَتِهِمْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَأَنَّ مَعْنَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ كَمَعْنَى رَفْعِهِ بِالْأَذَانِ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ بِهِ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلسَّامِعِ لَهُ، يُحْدِثُ لَهُ الرَّغْبَةَ فِي الْعَمَلِ لِلَّهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ أَوْ بَعْضِهَا، وَيُؤْجَرُ لَهُ الْمُنَبِّهُ لَهُ إلَيْهِ.
بَابُ الْخِلَافِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فِي الْمَسَاجِدِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَرْفَعُ الْمُلَبِّي صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى فَهَذَا قَوْلٌ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْنًى يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ أَحَدٌ، إذْ حُكِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ»، فَمَتَى كَانَتْ التَّلْبِيَةُ مِنْ الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهَا وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ يَرْفَعُهَا فِي حَالٍ دُونَ حَال جَازَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ يَرْفَعُهَا حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ يَخْفِضَهَا وَيَخْفِضَهَا حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ يَرْفَعُهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِأَحَدٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدَعُونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ وَاظَبُوا عَلَيْهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَإِذَا تَحَرَّوْا اجْتِمَاعَ النَّاسِ عَلَى الطَّرِيقِ كَانَتْ الْمَسَاجِدُ أَوْلَى أَنْ يَجْهَرُوا بِذَلِكَ فِيهَا أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَاهَا؟ أَرَأَيْت الْأَذَانَ أَيُتْرَكُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَاتِ؟ فَإِنْ قِيلَ: لَا، لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ قِيلَ وَكَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ بِهِ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا أَكَانَتْ التَّلْبِيَةُ تَعْدُو أَنْ يُرْفَعَ الصَّوْتُ بِهَا مَعَ الْجَمَاعَاتِ فَكُلُّ جَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَوْ يَنْهَى عَنْهَا فِي الْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُ الْمُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى أَوْلَى أَنْ لَا يُرْفَعَ عَلَيْهِمْ الصَّوْتُ أَوْ مِثْلِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ أَدَبًا وَإِعْظَامًا لَهَا، فَأَوْلَى الْمَسَاجِدِ أَنْ يُعَظَّمَ، الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ مِنًى لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ.
بَابُ التَّلْبِيَةِ فِي كُلِّ حَالٍ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ» أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُلَبِّي رَاكِبًا وَنَازِلًا وَمُضْطَجِعًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُلَبِّي الْمُحْرِمُ وَهُوَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالتَّلْبِيَةُ ذِكْرٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُلَبِّي الْمَرْءُ طَاهِرًا وَجُنُبًا وَغَيْرَ مُتَوَضِّئٍ، وَالْمَرْأَةُ حَائِضًا وَجُنُبًا وَطَاهِرًا وَفِي كُلِّ حَالٍ، وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ وَعَرَكَتْ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» وَالتَّلْبِيَةُ مِمَّا يَفْعَلُ الْحَاجُّ.
بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْقَوْلِ فِي أَثَرِ التَّلْبِيَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): اُسْتُحِبَّ إذَا سَلَّمَ الْمُصَلِّي أَنْ يُلَبِّيَ ثَلَاثًا وَاسْتُحِبَّ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَنْ يُتْبِعَهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْأَلَ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَالتَّعَوُّذَ مِنْ النَّارِ اتِّبَاعًا وَمَعْقُولًا أَنَّ الْمُلَبِّيَ وَافِدُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْطِقَهُ بِالتَّلْبِيَةِ مَنْطِقُهُ بِإِجَابَةِ دَاعِي اللَّهِ وَأَنَّ تَمَامَ الدُّعَاءِ وَرَجَاءَ إجَابَتِهِ الصَّلَاةُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute