للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): تَعَالَى أَصْلُ مَا أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ كَانَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ لَمْ أُبْطِلْهُ بِتُهْمَةٍ وَلَا بِعَادَةٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَأَجَزْته بِصِحَّةِ الظَّاهِرِ وَأَكْرَهُ لَهُمَا النِّيَّةَ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ لَوْ أُظْهِرَتْ كَانَتْ تُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَكَمَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ السَّيْفَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى بَائِعِهِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ظُلْمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْتُلُ بِهِ وَلَا أُفْسِدُ عَلَيْهِ هَذَا الْبَيْعَ، وَكَمَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْعِنَبَ مِمَّنْ يَرَاهُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا وَلَا أُفْسِدُ الْبَيْعَ إذَا بَاعَهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ حَلَالًا، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ خَمْرًا أَبَدًا، وَفِي صَاحِبِ السَّيْفِ أَنْ لَا يَقْتُلَ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا، وَكَمَا أُفْسِدُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ.

وَلَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَقْدًا صَحِيحًا، وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ أُفْسِدْ النِّكَاحَ إنَّمَا أُفْسِدُهُ أَبَدًا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.

بَابُ السُّنَّةِ فِي الْخِيَارِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ كُلِّهِ جُزَافًا مَا يُكَالُ مِنْهُ وَمَا يُوزَنُ وَمَا يُعَدُّ، كَانَ فِي وِعَاءٍ أَوْ غَيْرِ وِعَاءٍ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ فَلَمْ يُرَ عَيْنُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ.

(قَالَ الرَّبِيعُ): رَجَعَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بَيْعُ الشَّيْءِ الْغَائِبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ جُزَافًا عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا انْتَقَلَ وَجَدَهُ مَصْبُوبًا عَلَى دُكَّانٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ حَجَرٍ كَانَ هَذَا نَقْصًا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ نِصْفِ الثِّمَارِ جُزَافًا وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِنِصْفِهَا شَرِيكًا لِلَّذِي لَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ، وَلَا يَجُوزُ إذَا أَجَزْنَا الْجُزَافَ فِي الطَّعَامِ نَسِيئَةً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَجُوزَ الْجُزَافُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ رَقِيقٍ وَمَاشِيَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا رَآهُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ الْآخَرِ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مِنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَبِهًا

(قَالَ): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَبْتَاعُ مِنْك جَمِيعَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ، وَإِنْ قَالَ أَبْتَاعُ مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلُّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي ثَلَاثَةَ أَرَادِبَ، أَوْ عَلَى أَنْ أُنْقِصَك مِنْهَا إرْدَبًّا فَلَا خَيْرَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنِّي لَا أَدْرِي كَمْ قَدْرُهَا فَأَعْرِفُ الْإِرْدَبَّ الَّذِي نَقَصَ كَمْ هُوَ مِنْهَا، وَالْأَرَادِبُ الَّتِي زِيدَتْ كَمْ هِيَ عَلَيْهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك جُزَافًا وَلَا كَيْلًا وَلَا عَدَدًا وَلَا بَيْعًا كَائِنًا مَا كَانَ عَلَى أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْك مُدًّا بِكَذَا، وَعَلَى أَنْ تَبِيعَنِي كَذَا، بِكَذَا حَاضِرًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَائِبًا، مَضْمُونًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَضْمُونٍ، وَذَلِكَ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَمِنْ أَنِّي إذَا اشْتَرَيْت مِنْك عَبْدًا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ أَبِيعَك دَارًا بِخَمْسِينَ فَثَمَنُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَحِصَّتُهُ مِنْ الْخَمْسِينَ مِنْ الدَّارِ مَجْهُولَةٌ، وَكَذَلِكَ ثَمَنُ الدَّارِ خَمْسُونَ وَحِصَّتُهُ مِنْ الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ، وَلَا خَيْرَ فِي الثَّمَنِ إلَّا مَعْلُومًا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ كَيْلَهُ ثُمَّ انْتَقَضَ مِنْهُ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَكِيلَةُ مَا انْتَقَصَ فَلَا أَكْرَهُ لَهُ بَيْعَهُ جُزَافًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ حَالًّا مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ إذَا تَقَابَضَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ غَيْرِ صِنْفِهِ، وَلَا أُجِيزُهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ خَاصَّةً فَأَمَّا بِغَيْرِ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ طَعَامٌ مِنْ قَرْضٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّعَامِ مِنْ صِنْفِهِ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ أَوْ مِثْلَهُ إذَا طَابَا بِذَلِكَ نَفْسًا وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْقَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّعَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>