الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا؟ قَالَ بَلْ كَافِرٌ قُلْنَا فَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَرِثَ مُسْلِمٌ كَافِرًا وَلَا يَرِثُ كَافِرٌ مُسْلِمًا قَالَ فَإِنْ قُلْت لَا يَذْهَبُ مِثْلُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَقُولُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَقُولُ إنَّمَا عَنَى بِهِ بَعْضَ الْكَافِرِينَ دُونَ بَعْضٍ قُلْنَا فَيُعَارِضُك غَيْرُك بِمَا هُوَ أَقْوَى عَلَيْك فِي الْحُجَّةِ مِنْ هَذَا فَيَقُولُ إنَّ عَلِيًّا قَدْ أَخْبَرَ بِحَدِيثِ الْأَشْجَعِيِّينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَاتَّهَمَهُ وَرَدَّهُ وَقَالَ بِخِلَافِهِ وَقَالَ مَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَمَا قُلْت لَوْ ثَبَتَ وَزَعَمْت أَنَّ عَمَّارًا حَدَّثَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْجُنُبَ أَنْ يَتَيَمَّمَ» فَرَدَّهُ عَلَيْهِ عُمَرُ وَأَقَامَ عَلَى أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَتَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِيهِ الْقُرْآنَ فَزَعَمْت أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ كَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ رَدَّهُ وَهُوَ كَمَا قُلْت فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِمِثْلِ هَذَا فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» وَأَنْتَ لَا تَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ وَرَّثَ مُسْلِمًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَقَالَ نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا، أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ بِهَذَا وَقَالَ لَا يَذْهَبُ عَلَى مُعَاذٍ شَيْءٌ حَفِظَهُ أُسَامَةُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَا يَكُونُ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْك؟ أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ مُخَالِفٌ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمَ الْمُشْرِكِ غَيْرُهُ لِمَ لَمْ تُوَرِّثْهُ هُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تُوَرِّثُهُمْ مِنْهُ فَتَكُونُ قَدْ قُلْتَ قَوْلًا وَاحِدًا أَخْرَجْتَهُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ؟ فَمَا قُلْت فِيهِ بِمَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ وَإِذَا وَرِثَ عَقَلْنَا أَنَّهُ يُوَرِّثُهُ وَلَا بِمَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ غَيْرَ مَا ادَّعَيْت فِي الْمُرْتَدِّ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْمَمْلُوكِينَ وَإِنَّمَا وَرَّثُوا فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَنْ يُوَرَّثُونَ مِنْهُ وَلَمْ يَتَحَكَّمُوا فَيُوَرِّثُونَ مِنْ رَجُلٍ وَلَا يُوَرِّثُونَهُ.
ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَتِهِ لَا يُتْرَكُ الْمُرْتَدُّ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُسْلِمَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا فَهُوَ مِنْهُمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ أَكَلُوا مَا وَجَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَدِمَاؤُهُمْ حَلَالٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ لَا بَأْسَ بِذَبَائِحِهِمْ وَطَعَامِهِمْ كُلِّهِ فَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَيْسَ يُشْبِهُ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي هَذَا وَإِنْ وَالَاهُمْ أَلَا تَرَى أَنِّي أَقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ جَمِيعًا وَمِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الْجِزْيَةَ وَلَا أَقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ الْجِزْيَةَ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُرْتَدِّ مُخَالِفَةً لِلسُّنَّةِ فِي الْمُشْرِكِينَ وَالْحُكْمُ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِيهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً لَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا نَصْرَانِيٌّ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيَّةً جَازَ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ فِكْرَهُ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَالْمُرْتَدُّ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute