عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلِمْنَاهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْت قَسْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ فِي الْمَوَارِيثِ عَلَى الْعَدَدِ، وَقَدْ تَكُونُ الْإِخْوَةُ مُتَفَاضِلِي الْغَنَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصِّلَةِ فِي الْحَيَاةِ وَالْحِفْظِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَفْضُلُونَ وَقِسْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْعَدَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْنَى غَايَةَ الْغِنَاءِ وَيَكُونُ الْفُتُوحُ عَلَى يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مَحْضَرُهُ إمَّا غَيْرُ نَافِعٍ وَإِمَّا ضَرَرٌ بِالْجُبْنِ وَالْهَزِيمَةِ فَلَمَّا وَجَدْت السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُمْ بِالْحُضُورِ وَسَوَّى بَيْنَ الْفُرْسَانِ أَهْلِ الْغَنَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَالرَّجَّالَةِ وَهُمْ يَتَفَاضَلُونَ كَمَا وَصَفْت كَانَتْ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى نَسَبٍ وَسَابِقَةٍ، وَلَوْ وَجَدْت الدَّلَالَةَ عَلَى التَّفْضِيلِ أَرْجَحَ بِكِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ كُنْت إلَى التَّفْضِيلِ بِالدَّلَالَةِ مِنْ الْهَوَاءِ فِي التَّفْضِيلِ أَسْرَعَ، وَلَكِنِّي أَقُولُ يُعْطُونَ عَلَى مَا وَصَفْت، وَإِذَا قَرُبَ الْقَوْمُ مِنْ الْجِهَادِ وَرَخُصَتْ أَسْعَارُهُمْ أُعْطُوا أَقَلَّ مَا يُعْطَى مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَغَلَا سِعْرُهُ وَهَذَا، وَإِنْ تَفَاضَلَ عَدَدُ الْعَطِيَّةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ عَلَى مَعْنَى مَا يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْجِهَادِ إذَا أَرَادَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَغْزُوا إذَا أَغَزَوْا وَيَرَى الْإِمَامُ فِي إغْزَائِهِمْ رَأْيَهُ، فَإِذَا أَغْزَى الْبَعِيدَ أَغْزَاهُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مُجَاهِدِهِ فَإِنْ اسْتَغْنَى مُجَاهِدُهُ بِعَدَدٍ وَكَثُرَ مِنْ قُرْبِهِمْ أَغْزَاهُمْ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْ مُجَاهِدِهِمْ، وَلِهَذَا كِتَابٌ غَيْرُ هَذَا.
إعْطَاءُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعْطَاءِ مَنْ دُونَ الْبَالِغِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَإِعْطَاءِ نِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ وَأَحْسِبُ مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّا إذَا مَنَعْنَاهُمْ الْفَيْءَ وَمُؤْنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ كُنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ مَا يَكْفِيهِمْ، وَإِنْ أَعْطَيْنَا رِجَالَهُمْ الْكِفَايَةَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعَلَيْهِمْ مُؤْنَةُ عِيَالِهِمْ وَلَيْسَ فِي إعْطَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ كِفَايَةُ مَا يَلْزَمُهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا أَنْ لَمْ نُعْطِهِمْ مَالَ الْكِفَايَةِ مِنْ الْفَيْءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ أَصْلُ الْمَالِ غَنِيمَةً وَفَيْئًا وَصَدَقَةً فَالْفَيْءُ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ سَوَّى مَعَهُمْ فِي الْخُمُسِ، وَالصَّدَقَةُ لِمَنْ لَا يُقَاتِلُ مِنْ ذُرِّيَّةٍ وَنِسَاءٍ وَلَيْسُوا بِأَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَغْرَابِ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ الَّذِينَ لَا يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ إذْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ لَئِنْ عِشْت لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ بُسْرًا وَحَمِيرَ حَقُّهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْطِي بِمَعْنَى حَاجَةٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ لَا وَلَهُ حَقٌّ فِي مَالِ الْفَيْءِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْلَى مَعَانِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ: قَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَةِ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ مُكْتَسِبٍ» «وَقَالَ لِرَجُلَيْنِ سَأَلَاهُ إنْ شِئْتُمَا إنْ قُلْتُمَا نَحْنُ مُحْتَاجُونَ أَعْطَيْتُكُمَا إذَا كُنْت لَا أَعْرِفُ عِيَالَكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ» وَاَلَّذِي أَحْفَظُهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَعْرَابَ لَا يُعْطُونَ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَوْ قُلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ يَعْنِي الْفَيْءَ حَقٌّ كُنَّا خَالَفْنَا مَا لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ أُعْطِيَ مِنْ الصَّدَقَةِ مَا يَكْفِيهِ، وَلَا لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ، وَلَوْ قُلْنَا يَعْنِي عُمَرَ إلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقُّ مَالِ الصَّدَقَاتِ كُنَّا قَدْ خَالَفْنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ» وَمَا لَا نَعْلَمُ النَّاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute