وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُقْتَصُّ لَهُ قِيلَ لَا يُقْطَعُ إلَّا مِنْ حَيْثُ قَطَعَ وَلَا أَقْبَلُ فِي هَذَا اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ الشَّلَّاءَ، وَيَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةٌ فَتَرَاضَيَا بِأَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْقَاطِعِ فَيُقْطَعُ يَدُهُ الصَّحِيحَةُ لَمْ أَقْطَعْ يَدَهُ الصَّحِيحَةَ بِرِضَاهُ وَرِضَا صَاحِبِهِ وَجَعَلْتُ عَلَيْهِ حُكُومَةً. وَإِذَا كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ هِيَ الشَّلَّاءُ فَفِي يَدِ الْمَقْطُوعِ الْأَرْشُ لِنَقْصِ يَدِ الْقَاطِعِ عَنْهَا فَإِنْ رَضِيَ الْمُقْتَصُّ لَهُ بِأَنْ يُقْطَعَ وَلَمْ يَرْضَ ذَلِكَ الْقَاطِعُ سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْقَطْعِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْيَدَ الشَّلَّاءَ إذَا قُطِعَتْ كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْ التَّلَفِ عَلَى مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ مِنْ يَدِ الصَّحِيحِ لَوْ قَطَعْتُهُ لَمْ أَقْطَعْهَا بِحَالٍ وَإِنْ قَالُوا لَيْسَ فِيهَا مِنْ التَّلَفِ إلَّا مَا فِي يَدِ الصَّحِيحِ قَطَعْتُهَا وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَى مَشَقَّةِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَلَا الْمُسْتَقَادِ لَهُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُؤْتَى بِالْقَطْعِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ رَضِيَ الْأَشَلُّ أَنْ يُقْطَعَ لَمْ أَلْتَفِتْ إلَى رِضَاهُ وَكَانَ رِضَاهُ وَسُخْطُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً وَهَذَا هَكَذَا فِي الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُشَلُّ وَإِذَا قَطَعَ الْأَشَلُّ يَدَ الصَّحِيحِ فَسَأَلَ الصَّحِيحُ الْقَوَدَ وَأَرْشَ فَضْلِ مَا بَيْنَ الْيَدَيْنِ قِيلَ إنْ شِئْت أَقْتَصُّ لَكَ وَإِذَا اخْتَرْت الْقِصَاصَ فَلَا أَرْشَ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ الْأَرْشُ وَلَا قِصَاصَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ وَقِصَاصٌ إذَا كَانَ الْقَطْعُ عَلَى أَطْرَافٍ تُعَدَّدُ فَقُطِعَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ كَأَنْ يُقْطَعَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ فَوُجِدَ لَهُ أُصْبُعَيْنِ وَلَا يَجِدُ لَهُ ثَالِثَةً فَنَقْطَعُ أُصْبُعَيْنِ وَنَجْعَلُ فِي الثَّالِثَةِ الْأَرْشَ وَإِنْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ شَلَّا فَسَأَلَ أَنْ يَقْطَعَ وَيَأْخُذَ لَهُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَقَطَعْت لَهُ إنْ شَاءَ أَوْ آخُذُ لَهُ الْأَرْشَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُصْلَبُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ وَلَا الْمَقْتُولِ فِي الزِّنَا وَلَا الرِّدَّةِ بِحَالٍ لَا يَصْلُبُ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا قَاطِعَ الطَّرِيقِ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُنْزَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا الْمُرْتَدَّ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى كَافِرٍ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ مَرِيضًا وَفِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ جِرَاحًا لَا يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ لَمْ يُؤْخَذْ ذَلِكَ مِنْهُ مَرِيضًا وَلَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَبَرْدٍ شَدِيدٍ وَحُبِسَ حَتَّى تَذْهَبَ تِلْكَ الْحَالُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فِي حَالٍ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَجْمٌ بِبَيِّنَةٍ أُخِذَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَأُخِذَ وَهُوَ مَرِيضٌ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافٍ لَمْ يُؤْخَذْ مَرِيضًا وَلَا فِي حَرٍّ وَلَا بَرْد؛ لِأَنَّهُ مَتَى رَجَعَ قَبْلَ الرَّجْمِ وَبَعْدَهُ تَرَكْتُهُ.
زِيَادَةُ الْجِنَايَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا شَجَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً عَمْدًا فَتَآكَلَتْ الْمُوضِحَةُ حَتَّى صَارَتْ مُنَقِّلَةً أَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَآكَلَتْ الْكَفُّ حَتَّى ذَهَبَتْ الْكَفُّ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ إنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَأَعْطَيْنَاكَ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمُوضِحَةِ مِنْ أَرْشٍ. فَأَمَّا الْمُنَقِّلَةُ فَلَا قَوَدَ فِيهَا بِحَالٍ. وَقِيلَ: إنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَأَعْطَيْنَاكَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْيَدِ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ أَرْشُ الْيَدِ وَلَا قَوَدَ لَكَ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الضَّارِبَ لَمْ يَجْنِ بِقَطْعِ الْكَفِّ وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ بِجِنَايَتِهِ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ لَهُ أَوْ يَشُقُّ لَهُ مَا شَقَّ وَقَطَعَ، وَأَرْشُ هَذَا كُلِّهِ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا دُونَ عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ، وَإِذَا أَنْكَرَ الشَّاجُّ وَقَاطِعُ الْأُصْبُعِ وَالْكَفِّ أَنْ يَكُونَ تَأَكُّلُهَا مِنْ جِنَايَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حَتَّى يَأْتِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِمَنْ يَشْهَدُ أَنَّ الشَّجَّةَ وَالْكَفَّ لَمْ تَزَلْ مَرِيضَةً مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي لَمْ تَبْرَأْ حَتَّى ذَهَبَتْ فَإِذَا جَاءَ بِهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَحَكَمْت أَنْ تَأَكُّلَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute