وَقَالَ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وَقَالَ: تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} وَقَالَ: عَزَّ اسْمُهُ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَهَذِهِ الْآيُ فِي الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ انْتَهَى بِمَنْ سَمَّى لَهُ فَرِيضَةً إلَى شَيْءٍ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ مَنْ انْتَهَى اللَّهُ بِهِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَا انْتَهَى بِهِ، وَلَا يَنْقُصُهُ فَبِذَلِكَ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ رَدُّ الْمَوَارِيثِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ أَعْطَيْتهَا نِصْفَ مَا تَرَكَ وَكَانَ مَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِمَوَالِيهِ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُ كَانَ النِّصْفُ مَرْدُودًا عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَلَا تُزَادُ أُخْتُهُ عَلَى النِّصْفِ، وَكَذَلِكَ لَا يُرَدُّ عَلَى وَارِثٍ ذِي قَرَابَةٍ، وَلَا زَوْجٍ، وَلَا زَوْجَةٍ لَهُ فَرِيضَةٌ، وَلَا تُجَاوِزُ بِذِي فَرِيضَةٍ فَرِيضَتُهُ وَالْقُرْآنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِنَا.
بَابُ الْخِلَافِ فِي رَدِّ الْمَوَارِيثِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقَالَ لِي بَعْضُ النَّاسِ إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ أُخْتَهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا، وَلَا مَوْلَى أَعْطَيْت الْأُخْتَ الْمَالَ كُلَّهُ، قَالَ: فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا إلَى أَيُّ شَيْءٍ ذَهَبْتُمْ؟ قَالَ: ذَهَبْنَا إلَى أَنْ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَدُّ الْمَوَارِيثِ فَقُلْت: لَهُ مَا هُوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا عَلِمْته بِثَابِتٍ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كُنْت قَدْ تُرِكَتْ عَلَيْهِمَا أَقَاوِيلُ لَهُمَا فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ قَلِيلَةٍ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَكَيْفَ إنْ كَانَ زَيْدٌ لَا يَقُولُ بِقَوْلِهِمَا لَا يَرُدُّ الْمَوَارِيثَ لِمَ لَمْ تَتَّبِعْهُ دُونَهُمَا كَمَا اتَّبَعْته دُونَهُمَا فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ الْفَرَائِضِ؟.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ: فَدَعْ هَذَا، وَلَكِنْ أَرَأَيْت إذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلَانِ فِي رَدِّ الْمَوَارِيثِ أَلَيْسَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَعُدَّهُمَا خَالَفَاهُ أَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ قُلْنَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَا شَكَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَأَيْنَ الدَّلَالَةُ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ قَوْلِنَا؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} وَقَالَ {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} فَذَكَرَ الْأُخْتَ مُنْفَرِدَةً فَانْتَهَى بِهَا إلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ الْأَخ مُنْفَرِدًا فَانْتَهَى بِهِ إلَى الْكُلِّ وَذَكَرَ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مُجْتَمَعَيْنِ فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْأَخِ فِي الِاجْتِمَاعِ كَمَا جَعَلَهَا فِي الِانْفِرَادِ أَفَرَأَيْت إنْ أَعْطَيْتهَا الْكُلَّ مُنْفَرِدَةً أَلَيْسَ قَدْ خَالَفْت حُكْمَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَصًّا؟ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ انْتَهَى بِهَا إلَى النِّصْفِ وَخَالَفْت مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ إذْ سَوَّيْتهَا بِهِ، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لَهُ وَآيُ الْمَوَارِيثِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ رَدِّ الْمَوَارِيثِ قَالَ: فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قُلْت: لَا أُعْطِيهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِيرَاثًا؟ قُلْت: لَهُ قُلْ مَا شِئْت قَالَ: أَرَاهَا مَوْضِعَهُ قُلْت: فَإِنْ رَأَى غَيْرُك غَيْرَهَا مَوْضِعَهُ فَأَعْطَاهَا جَارَةً لَهُ مُحْتَاجَةً، أَوْ جَارًا لَهُ مُحْتَاجًا أَوْ غَرِيبًا مُحْتَاجًا؟ قَالَ: فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قُلْت: وَلَا لَك بَلْ هَذَا أَعْذَرُ مِنْك، هَذَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الْكِتَابِ نَصًّا، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْلَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ مِنْهُمْ يَقُولُونَ هُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute