يَفْعَلُوا نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ وَمَتَى أَخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ فَلَمْ يَمْنَعْهُمْ إمَّا بِغَلَبَةِ عَدُوٍّ لَهُ حَتَّى هَرَبَ عَنْ بِلَادِهِمْ وَأَسْلَمَهُمْ وَإِمَّا تَحَصَّنَ مِنْهُ حَتَّى نَالَهُمْ الْعَدُوُّ فَإِنْ كَانَ تَسَلَّفَ مِنْهُمْ جِزْيَةَ سَنَةٍ أَصَابَهُمْ فِيهَا مَا وَصَفْت رَدَّ عَلَيْهِمْ جِزْيَةَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ مَا مَضَى مِنْ السَّنَةِ نِصْفَهَا أَخَذَ مِنْهُ مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ كَانَ تَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى أَسْلَمَهُمْ فَيَوْمَئِذٍ انْتَقَضَ صُلْحُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَسَلَّفْ مِنْهُمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةَ سَنَةٍ قَدْ مَضَتْ وَأَسْلَمَهُمْ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا وَلَا يَسَعُهُ إسْلَامُهُمْ فَإِنْ غَلَبَ غَلَبَةً فَعَلَى مَا وَصَفْت وَإِنْ أَسْلَمَهُمْ غَلَبَةً فَهُوَ آثِمٌ فِي إسْلَامِهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ آذَاهُمْ وَإِذَا أَخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ أَخَذَهَا بِإِجْمَالٍ وَلَمْ يَضْرِبْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ قَبِيحٌ وَالصَّغَارُ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمَ لَا أَنْ يُضْرَبُوا وَلَا يُؤْذُوا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَحْيَوْا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ شَيْئًا وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِيهِ بِحَالٍ وَإِنْ أَقْطَعَهُ رَجُلًا مُسْلِمًا فَغَمَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُمُوهُ لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ وَتَرَكَهُمْ حَيَاءَهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ الصَّيْدَ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ بِإِحْيَاءِ أَمْوَاتٍ وَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُمْ الْحَطْبَ وَلَا الرَّعْيَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ.
تَفْرِيعُ مَا يُمْنَعُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا مَعَنَا فِي الدَّارِ وَأَمْوَالُهُمْ الَّتِي يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يتمولوها مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَمْوَالَنَا مِنْ عَدُوِّهِمْ إنْ أَرَادَهُمْ أَوْ ظُلْمِ ظَالِمٍ لَهُمْ وَأَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ لَوْ أَصَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ الَّتِي تَحِلُّ لَهُمْ لَوْ قَدَرْنَا، فَإِذَا قَدَرْنَا اسْتَنْقَذْنَاهُمْ وَمَا حَلَّ لَهُمْ مِلْكُهُ وَلَمْ نَأْخُذْ لَهُمْ خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ تَسْتَنْقِذُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ الَّتِي يَحِلُّ لَهُمْ مِلْكُهَا وَلَا تَسْتَنْقِذُ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَى مِلْكِهَا؟ قُلْت إنَّمَا مَنَعْتهمْ بِتَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ فِي دِمَائِهِمْ دِيَةً وَكَفَّارَةً، وَأَمَّا مَنْعِي مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَبِذِمَّتِهِمْ وَأَمَّا مَا أَقْرَرْتُهُمْ عَلَيْهِ فَمُبَاحٌ لِي بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ دِمَائِهِمْ بَعْدَ مَا أَعْطَوْهَا وَهُمْ صَاغِرُونَ وَلَمْ يَكُنْ فِي إقْرَارِي لَهُمْ عَلَيْهَا مَعُونَةٌ عَلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ عَبْدٌ أَوْ وَلَدٌ مِنْ الشِّرْكِ فَأَرَادُوا إكْرَاهَهُمْ لَمْ أَقِرَّهُمْ عَلَى إكْرَاهِهِ بَلْ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُ وَكَمَا لَمْ أَكُنْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ مُعِينًا لَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَيْهِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ مُعِينًا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُمْ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عَوْنًا لَهُمْ عَلَيْهِ وَلَا أَكُونُ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى أَخْذِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ أَقْرَرْتُهُمْ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ لَمْ تَحْكُمْ لَهُمْ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَنْ اسْتَهْلَكَهُ قُلْت أَمَرَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْمُبَيَّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحَرَّمِ ثَمَنٌ، فَمَنْ حَكَمَ لَهُمْ بِثَمَنٍ مُحَرَّمٍ حَكَمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَأَنَا مَسْئُولٌ عَمَّا حَكَمْت بِهِ وَلَسْت مَسْئُولًا عَمَّا عَمِلُوا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِمَّا لَمْ أُكَلِّفْ مَنْعَهُ مِنْهُمْ، وَمَنْ سَرَقَ لَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قَطَعْته وَإِذَا سَرَقُوا فَجَاءَنِي الْمَسْرُوقُ قَطَعْتهمْ وَكَذَلِكَ أَحَدُهُمْ إنْ قَذَفُوا وُحْدَانًا لَهُمْ مَنْ قَذَفَهُمْ وَأُؤَدِّبُ لَهُمْ مَنْ ظَلَمَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَآخُذُ لَهُمْ مِنْهُ جَمِيعَ مَا يَجِبُ لَهُمْ مِمَّا يَحِلُّ أَخْذُهُ وَأَنْهَاهُ عَنْ الْعَرْضِ لَهُ وَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ بَدَنِهِ شَيْئًا أَخَذْته مِنْهُ إذَا عَرَضَ لَهُمْ بِأَذًى لَا يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ زَجَرْته عَنْهُ فَإِنْ عَادَ حَبَسْته أَوْ عَاقَبْته عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُهْرِيقَ خَمْرَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ خَنَازِيرَهُمْ وَمَا أَشْبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute