أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُدَبَّرِ وَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ فِي ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَبَّرِ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا وَالْمَالُ مَوْضُوعًا فِي مُدَبَّرٍ أَوْ مُعْتَقٍ؟ قِيلَ: لَهُ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِهِمَا، فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قِيلَ أَرَأَيْت الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ، أَوْ هِبَتُهُ، أَوْ الصَّدَقَةُ بِهِ أَوْ إبْطَالُ الرَّهْنِ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: أَلِأَنَّ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ فِي عُنُقِهِ حَقًّا لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: وَمَالِكُ الرَّهْنِ مَالِكٌ لِشَيْءٍ فِي عُنُقِهِ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكِهِ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِيهِ مِلْكُ شَيْءٍ دُونَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: أَفَتَجِدُ مَعَ مَالِكِ الْمُدَبَّرِ فِيهِ مِلْكُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ غَيْرِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: أَفَتَجِدُ مَالِكَ الْمُدَبَّرِ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِبْطَالِ تَدْبِيرِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَمَّا فِي قَوْلِك فَنَعَمْ، قِيلَ: فَقَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا أَعْطَيْت أَنَّ لِي أَنْ أَبِيعَ الْمُدَبَّرَ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عِتْقٌ لَازِمٌ بِكُلِّ حَالٍ إنَّمَا فِيهِ عِتْقٌ إنْ كَانَ كَوَصِيَّتِك لِعَبْدِك إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِكَ، أَوْ سَفَرِكَ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ مِتّ كَانَ حُرًّا وَإِنْ شِئْت رَجَعْت وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ حُرِّيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحِينِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ هَذَا فِيهِ لَمْ يَرِقَّ بِحَالٍ أَبَدًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيُقَالُ لِأَحَدٍ: إنْ قَالَ: هَذَا أَرَأَيْت أُمَّ الْوَلَدِ أَلَيْسَ تَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ لِسَيِّدِهَا بَيْعُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا إلَى مِلْكِ أَحَدٍ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: فَهِيَ أَوْكَدُ عِتْقًا مِنْ الْمُدَبَّرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك، فَإِنْ قَتَلَهَا عَبْدٌ وَأَسْلَمَ إلَى سَيِّدِهَا، أَوْ أَمَةٌ فَأَسْلَمَتْ أَوْ حُرٌّ فَدَفَعَ ثَمَنُهَا أَيَقُومُ الثَّمَنُ مَقَامَ أُمِّ الْوَلَدِ، أَوْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ بِهَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، قِيلَ: لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَمْ تَعْتِقْ وَمَاتَتْ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، وَالْوَلَدُ الَّذِي كَانَ مِنْهَا إنَّمَا عَتَقْت بِهِ إذَا كَانَتْ وَلَدَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَاَلَّذِي دَفَعَ أَوْ دَفَعَتْ فِي جِنَايَتِهَا لَمْ تَلِدْ مِنْ سَيِّدِهَا فَتَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْوَلَدِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ هُوَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْعِتْقُ بِوَصِيَّتِهِ فَلَمْ يَبْلُغْ شَرْطُهُ وَقُتِلَ مَمْلُوكًا وَلَيْسَ أَحَدٌ بَدَلَهُ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ فَيَعْتِقُ بِهَا، (قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ حُبْلَى فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُ عُضْوٍ مِنْهَا مَا لَمْ يُزَايِلُهَا إذَا بِيعَتْ، فَهُوَ كَعُضْوٍ مِنْهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَيْعِ، فَإِنْ وَلَدْنَ قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ، أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ لَا يَدْخُلُ وَلَدُهَا فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهَا فَارَقَ حُكْمَهَا فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَمَةٍ جَنَتْ وَلَهَا وَلَدٌ، فَمَنْ رَأَى بَيْعَهَا وَالتَّفْرِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا بَاعَهَا، وَمَنْ لَمْ يَرَ بَيْعَهَا إلَّا مَعَ وَلَدِهَا فَلَمْ يَتَطَوَّعْ السَّيِّدُ بِفِدَائِهَا بَاعَهُمَا وَرَدَّ عَلَى السَّيِّدِ حِصَّةَ الْوَلَدِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَعْطَى الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ثَمَنَهَا إنْ كَانَ قَدْرَ جِنَايَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَشَدُّ الْقَوْلَيْنِ اسْتِقَامَةً عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى السُّنَّةِ وَمَعْنَاهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ بَيْعَ وَلَدِ امْرَأَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لِلصِّغَرِ، وَلَيْسَ بَيْعُ الْمَالِكِ لِلْبَيْعِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ بِمَا لَزِمَ الْأُمَّ الْبَيْعُ فِيهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ جِنَايَةً يَبْلُغُ أَرْشُهَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ تَكُنْ قِيمَةُ الْجَانِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَلِلْمُدَبَّرِ مَالٌ وَوَلَدٌ فَمَالُهُ مَالُ سَيِّدِهِ لَا حَقَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ كَسَائِرِ مَالِهِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمُدَبَّرَةِ فِي جِنَايَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْنُوا فَيَدْخُلُوا فِي جِنَايَتِهِ وَهُمْ كَمَالِ سَيِّدِهِ سِوَاهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا جَنَى عَلَى الْمُدَبَّرِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةِ جِنَايَةً فَعَلَى الْجَانِي عَلَيْهِمَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا مَمْلُوكِينَ لَا تَدْبِيرَ فِيهِمَا إنْ جَنَى عَلَيْهِمَا بِقَطْعِ أَيْدِيهمَا، فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْفَعُ إلَى سَيِّدِهِمَا، وَيُقَالُ لَهُ: هُوَ كَمَالٍ مِنْ مَالِك لَك أَنْ تَمْلِكَهُ كَمَالِكِ مِلْكِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَبَيْعِهِمَا وَلَك أَنْ تَصْنَعَ فِيهِ مَا شِئْت وَعَلَى الْجَانِي عَلَى الْمُدَبَّرِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةِ إنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ نَفْسًا قِيمَتُهُمَا مَمْلُوكِينَ يَوْمَ تَقَعُ الْجِنَايَةُ صَحِيحَيْنِ، أَوْ مَرِيضَيْنِ كَانَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَبَّرَةُ حُبْلَى فَقَتَلَهَا، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حُبْلَى وَلَا شَيْءَ فِي وَلَدِهَا وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَفِي الْجَنِينِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ يُجْنَى عَلَيْهِ، وَفِي الْأَمَةِ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ جَنِينِهَا لِسَيِّدِهَا يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ كَمَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ وَمَاتَتْ فَفِيهَا قِيمَتُهَا وَفِي الْجَنِينِ قِيمَتُهُ إذَا كَانَ حَيًّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute