شِرْبُهُ رَيًّا لِلنَّخْلِ، وَلَا شِرْبُ النَّخْلِ رَيًّا لَهُ لَمْ تَحِلَّ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ وَجَازَتْ إجَارَتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ لَا حُكْمِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَسَوَاءٌ قَلَّ الْبَيَاضُ فِي ذَلِكَ، أَوْ كَثُرَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت، وَهَذَا مُزَارِعُهُ؟ قِيلَ: كَانَتْ خَيْبَرُ نَخْلًا وَكَانَ الزَّرْعُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فَعَامَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَهَا عَلَى الشَّطْرِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ وَنَهَى فِي الزَّرْعِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الْمُعَامَلَةِ فَقُلْنَا فِي ذَلِكَ اتِّبَاعًا وَأَجَزْنَا مَا أَجَازَ وَرَدَدْنَا مَا رَدَّ وَفَرَّقْنَا بِفَرْقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَهُمَا وَمَا بِهِ يَفْتَرِقَانِ مِنْ الِافْتِرَاقِ، أَوْ بِمَا وَصَفْت فَلَا يَحِلُّ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ سِنِينَ بِذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ.
(أَخْبَرَنَا) ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ» (أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ (أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: نَهَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ مَعْلُومَةً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا اشْتَرَكَ الرَّجُلَانِ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَذْرُ وَمِنْ عِنْدِهِمَا مَعًا الْبَقَرُ أَوْ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ تَعَامَلَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَا، أَوْ يَزْرَعَ أَحَدُهُمَا فَمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا لِلْآخَرِ فَلَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي هَذَا إلَّا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَنْ يَبْذُرَا مَعًا وَيَمُونَانِ الزَّرْعَ مَعًا بِالْبَقَرِ وَغَيْرِهِ مُؤْنَةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ مُتَطَوِّعًا بِالْأَرْضِ لِرَبِّ الزَّرْعِ، فَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الزَّارِعُ يَحْفَظُ أَوْ يَمُونُ بِقَدْرِهِ مَا سَلَّمَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ فَيَكُونُ الْبَقَرُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ الْآلَةُ، أَوْ الْحِفْظُ، أَوْ مَا يَكُونُ صَلَاحًا مِنْ صَلَاحِ الزَّرْعِ فَالْمُعَامَلَةُ عَلَى هَذَا فَاسِدَةٌ فَإِنْ تَرَافَعَاهَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَا فُسِخَتْ، وَإِنْ تَرَافَعَاهَا بَعْدَمَا يَعْمَلَانِ فُسِخَتْ وَسُلِّمَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا مَعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلَّذِي لَهُ الْبَذْرُ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ كِرَاءُ مِثْلِهَا، وَإِذَا كَانَ الْبَقَرُ مِنْ الْعَامِلِ، أَوْ الْحِفْظُ، أَوْ الْإِصْلَاحُ لِلزَّرْعِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْبَذْرِ شَيْءٌ أَعْطَيْنَاهُ مِنْ الطَّعَامِ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ الْحَافِظُ وَصَاحِبُ الْبَقَرِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُ حِصَّتَهُ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ قِيمَةِ عَمَلِ الْبَقَرِ وَالْحِفْظِ وَمَا أَصْلَحَ بِهِ الزَّرْعَ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَتَعَامَلَا مِنْ هَذَا عَلَى أَمْرٍ يَجُوزُ لَهُمَا تَعَامَلَا عَلَى مَا وَصَفْت أَوَّلًا، وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يُحْدِثَا غَيْرَهُ تَكَارَى رَبُّ الْأَرْضِ مِنْ رَبِّ الْبَقَرِ بَقَرَهُ وَآلَتَهُ وَحِرَاثَهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الْأَرْضِ، أَوْ أَكْثَرَ يَزْرَعُهَا وَقْتًا مَعْلُومًا فَتَكُونَ الْإِجَارَةُ فِي الْبَقَرِ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهَا أَيَّامٌ مَعْلُومُهُ كَمَا لَوْ اُبْتُدِئَتْ إجَارَتُهَا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الْأَرْضِ بِكِرَاءٍ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ كِرَاءَهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ.
ثُمَّ إنْ شَاءَا أَنْ يَزْرَعَا وَيَكُونَ عَلَيْهِمَا مُؤْنَةُ صَلَاحِ الزَّرْعِ مُسْتَوِيَيْنِ فِيهَا حَتَّى يَقْسِمَا الزَّرْعَ كَانَ هَذَا جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَرَعَ أَرْضًا لَهُ زَرْعُهَا وَيَبْذُرُ لَهُ فِيهَا مَا أَخْرَجَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَضْلًا عَنْ بَذْرِهِ، وَلَا فَضْلًا فِي الْحِفْظِ فَتَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ فَتَكُونُ الْإِجَارَةُ قَدْ انْعَقَدَتْ عَلَى مَا يَحِلُّ مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْمَجْهُولِ فَيَكُونُ فَاسِدًا.
قَالَ: وَلَا بَأْسَ لَوْ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكِرَاءُ الْبَقَرِ دِينَارًا أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ فَتَرَاضَيَا بِهَذَا كَمَا لَا يَكُونُ بَأْسٌ بِأَنْ أُكْرِيكَ بَقَرِي وَقِيمَةُ كِرَائِهَا مِائَةُ دِينَارٍ بِأَنْ يُخَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَ أَرْضٍ أَزْرَعُهَا سَنَةً قِيمَةُ كِرَائِهَا دِينَارٌ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّغَابُنِ فِي الْبُيُوعِ، وَلَا فِي الْإِجَارَاتِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَالْأَرْضَ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ كَانَ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَكِرَاءِ الْبَقَرِ، أَوْ أَقَلَّ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ حَتَّى يَكُونَ عَقْدُهَا عَلَى اسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً وَعَمَلًا مَعْلُومًا بِأَرْضٍ مَعْلُومَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَرْثَ يَخْتَلِفُ فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَجُودُ وَيَسُوءُ، وَلَا يَصْلُحُ إلَّا بِمِثْلِ مَا تَصْلُحُ بِهِ الْإِجَارَاتُ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَإِذَا زَرَعَا عَلَى هَذَا وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِمَا فَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَيَرْجِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute