لِشَرِيكِهِ قِيمَتَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ وَاحِدٌ، ثُمَّ آخَرُ وُقِفَ الْعِتْقُ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا دَفَعَ ثَمَنَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَكَانَ عِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ عَلَى الثَّانِي نَصِيبُهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُ صَاحِبِهِ وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ وَكَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا أَعْتَقَ، لِلْأَوَّلِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَعَلَ عَلَى الَّذِي يُعْتِقُ نَصِيبًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا مَدْفُوعًا مِنْ مَالِهِ إلَى شُرَكَائِهِ قَضَى عَلَى الْمُعْتِقِ الْآخَرِ بِذَلِكَ، وَالْقَضَاءُ بِقَلِيلِ الْغُرْمِ إذَا أَعْتَقَ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِكَثِيرِهِ، أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَفِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ»: دَلَالَتَانِ: إحْدَاهُمَا، إنَّ عَلَى الْمَرْءِ إذَا فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ لِغَيْرِهِ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، فَأَمَّا فِي مَالِ النَّاسِ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ مَالِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنِّي أَنْظُرُ إلَى الْمُعْتِقِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَإِذَا كَانَ حِينَئِذٍ مُوسِرًا ثُمَّ قُوِّمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا أَعْسَرَ كَانَ حُرًّا وَأُتْبِعَ بِمَا ضَمِنَ مِنْهُ وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَى تَغَيُّرِ حَالِهِ، إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا فِيهَا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَضْمَنُ ضَمِنَ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الْقِيَاسُ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ حِينَ أَعْتَقَ إلَّا مِائَةً أَعْتَقْنَا مِنْهُ خُمُسَ النِّصْفِ، فَعَتَقَ نِصْفُهُ وَعُشْرُهُ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْهُ رَقِيقًا.
وَهَكَذَا كُلَّمَا قَصُرَ عَنْ مَبْلَغِ قِيمَةِ شَرِيكِهِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا وُجِدَ لِلْمُعْتِقِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ مِمَّا لَمْ يَحْتَمِلْهُ مَالُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ إذَا كَانَ الْعِتْقُ وَهُوَ مُوسِرٌ لَأَنْ يُخْرَجَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا وَاجِدَ الْمَالِ يَدْفَعُ يَوْمَ أَعْتَقَ وَلَا يَمْنَعُهُ الْمَوْتُ مِنْ حُرٍّ لَزِمَهُ فِي الصِّحَّةِ كَمَا لَوْ جَنَى جِنَايَةً، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَوْتُ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ بِهَا فِي مَالِهِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَسَوَاءٌ أَخَّرَ ذَلِكَ أَوْ قَدَّمَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ خَالِصًا فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ مَاتَ كَانَ حُرًّا كُلُّهُ بِالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَدَعْ مَالًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ مَالِهِ وَمَتَى أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَعْتِقُ مِنْهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ وَعَتَقَ كُلُّهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَلَا مَالَ لَهُ فَالْعَبْدُ رَقِيقٌ وَيَعْتِقُ مِنْهُ مَا يَمْلِكُ الْمُعْتِقَ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَيْسَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ، إنَّمَا اُنْظُرْ إلَى الْحَالِ الَّتِي يُعْتِقُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا دَافِعًا عَتَقَ فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى الْعِتْقَ، إنَّمَا يَقَعُ بِالْيُسْرِ وَالدَّفْعِ، وَيُعْتِقُ فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ بِالْيُسْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا إذَا كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوسِرٍ دَافِعٍ لَمْ يُعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ وَقَعَ الْحُكْمُ وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَهُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ فِي الْمُعْتِقِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ إنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ بِعِتْقِ شَرِيكِهِ بِأَنْ يَكُونَ شَرِيكُهُ مُوسِرًا دَافِعًا لِقِيمَتِهِ، وَهَذَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يُعْتِقُ إلَّا بِالدَّفْعِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ يُعْتِقُ بِالْيُسْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَافِعًا بِأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا غَيْرَ دَافِعٍ، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِ الْمُعْتَقِ عَلَيْهِ بِأَمْرَيْنِ: الْيُسْرُ وَالدَّفْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِهِ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلٌ يَجِدُ مَنْ قَالَهُ مَذْهَبًا، وَأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمُعْتِقِ حِينَ يَقَعُ الْعِتْقُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ فَقَدْ وَقَعَ الْعِتْقُ وَضَمِنَ الْقِيمَةَ، وَإِنْ أَعْدَمَ بَعْدُ أُتْبِعَ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُعْتَقَةُ جَارِيَةً حُبْلَى يَوْمَ أُعْتِقَ بَعْضُهَا فَلَمْ تُقَوَّمْ حَتَّى وَلَدَتْ قُوِّمَتْ حُبْلَى وَعَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ حُبْلَى يَوْمَ أُعْتِقَتْ، فَيَعْتِقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا لَيْسَ بِمُنْفَصِلٍ عَنْهَا وَلَوْ زَعَمْت أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَقَعُ يَوْمَ يَكُونُ الْحُكْمُ، انْبَغَى أَنْ لَا يَعْتِقَ الْوَلَدُ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ الْوَلَدَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً سَاعَةَ وَلَدَتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا مَعَهَا إنَّمَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا إذَا كَانَتْ حُبْلَى، فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فَحُكْمُ وَلَدِهَا حُكْمُ وَلَدِ غَيْرِهَا. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute