للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِدَّةٌ وَلَا حَقَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ فِيهِنَّ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَبْرِئُونَهُنَّ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَهَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَأْبَقُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ فِي الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَهَا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَسَرُوهُ فَأَصَابَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ أَبَقَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُسْلِمٌ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ رَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَإِنْ أَبَقَ وَهُوَ كَافِرٌ خَرَجَ مِنْ سَيِّدِهِ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ وَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَلَوْ كَانَ أُخِذَ أَسِيرًا لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ وَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَمْ يَرْجِعْ هَذَا الْعَبْدُ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَحُوزَ الْمُشْرِكُونَ الْعَبْدَ إلَيْهِمْ كَمَا يَحُوزُونَ الْعَبْدَ الَّذِي اشْتَرَوْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الصَّلْبِ فَلَمْ تَمْضِ بِهَذَا سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا نَعْلَمُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِنَّمَا الصَّلْبُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ. قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبْدٍ وَبَعِيرٍ أَحْرَزَهُمَا الْعَدُوُّ ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِهِمَا إنْ أَصَبْتهمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُمَا لَك» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي عَبْدٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ فَظَفِرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَوَّلُهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ لُقَطَاؤُهُمْ» قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ وَشِبْهِهِ. وَقَوْلُهُ وَيَرُدُّ مُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ فَهَذَا عِنْدَنَا فِي الْجَيْشِ إذَا غَنِمَتْ السَّرِيَّةُ رَدَّ الْجَيْشُ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْقُعَّدِ فِيهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الَّذِي يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ وَقَدْ أَحْرَزُوهُ وَمَلَكُوهُ فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَالْقَوْلُ فِيهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا أَبَقَ إلَيْهِمْ فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ لَوْ حَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْحَقُوا بِالْعَدُوِّ فَقَاتَلُوا وَهُمْ مُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُمْ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى مَوَالِيهِمْ فَأَمَّا الصَّلْبُ فَلَيْسَ يَدْخُلُ فِيمَا هَهُنَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ إلَى الْعَدُوِّ؛ وَالْعَبْدِ يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا لِسَيِّدِهِمَا إذَا ظَفِرَ بِهِمَا وَحَالُهُمْ قَبْلُ يُقَسَّمَانِ وَحَالُهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا قَبْلَ الْقَسْمِ أَخَذَهُمَا بَعْدَهُ وَقَدْ قَالَ هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِثَمَنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرَ إلَّا بِثَمَنٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ السَّبْيُ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُبَاعُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيَتَقَوَّوْا. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَرَوْنَ بِبَيْعِ السَّبَايَا بَأْسًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ بَيْعَ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ الصِّبْيَانِ صَبِيٌّ لَيْسَ مَعَهُ أَبَوَاهُ وَلَا أَحَدُهُمَا صَلَّيْت عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَفِي دَارِهِمْ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَقَدْ صَارُوا فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَرَأَيْت تَاجِرًا مُسْلِمًا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِرَقِيقٍ لِلْمُسْلِمِينَ كُفَّارٍ أَوْ رَقِيقٍ مِنْ رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ رِجَالًا وَنِسَاءً أَكُنْت تَدَعُهُ وَذَلِكَ؟ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَكَثَّرُونَ وَتَعْمُرُ بِلَادُهُمْ أَلَا تَرَى أَنِّي لَا أَتْرُكُ تَاجِرًا يَدْخُلُ إلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ السِّلَاحِ وَالْحَدِيدِ وَشَيْءٍ مِنْ الْكُرَاعِ مِمَّا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ فِي الْقِتَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ صَارُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ فِي مُلْكِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَنُوا وَلَا يُصْنَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>