للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْآخَرِ التَّعْزِيرَ وَالْحَبْسَ. أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا وَأَمْسَكَهُ آخَرُ فَقَالَ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَمُوتَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): حَدَّ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى الْفِعْلِ نَفْسَهُ وَجَعَلَ فِيهِ الْقَوَدَ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وَقَالَ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} فَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ السُّلْطَانَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اعْتَبَطَ مُسْلِمًا يُقْتَلُ فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ» وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَقَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يُقْتَدَى بِهِ حَدَّ أَحَدًا قَطُّ عَلَى غَيْرِ فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ قَوْلِهِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَبَسَ رَجُلًا لِرَجُلِ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ الْقَاتِلُ وَعُوقِبَ الْحَابِسُ وَلَا يَجُوزُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَتَلْت الْقَاتِلَ بِالْقَتْلِ أَنْ أَقْتُلَ الْحَابِسَ بِالْحَبْسِ وَالْحَبْسُ غَيْرُ الْقَتْلِ وَمَنْ قَتَلَ هَذَا فَقَدْ أَحَالَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ إذَا قَالَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} فَالْقِصَاصُ أَنْ يُفْعَلَ بِالْمَرْءِ مِثْلُ مَا فَعَلَ. وَقُلْنَا أَرَأَيْت الْحَابِسَ إذَا اقْتَصَصْنَا مِنْهُ وَالْقِصَاصُ هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ هَلْ ثَمَّ قَتْلٌ فَيُقْتَلُ بِهِ وَإِنَّمَا ثَمَّ حَبْسٌ وَالْحَبْسُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا قِصَاصٌ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهَا وَسَوَاءٌ حَبَسَهُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ لَا يَقْتُلَهُ وَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَتْلِ إذَا نَوَى الْحَابِسُ أَنْ يَقْتُلَ الْمَحْبُوسَ انْبَغَى لَوْ لَمْ يُقْتَلْ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْفِعْلَ الَّذِي يُقِيمُهُ مَقَامَ الْقَتْلِ مَعَ النِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ صَاحِبُنَا وَعَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَامَّةُ مَا أَدْخَلَ مُحَمَّدٌ عَلَى صَاحِبِنَا يَدْخُلُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ لَا يَسْلَمُ مِنْ أَنْ يَغْفُلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ فَيَدْخُلَ فِي أَكْثَرَ مِمَّا عَابَ عَلَى صَاحِبِنَا فَيَكُونَ جَمِيعُ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى صَاحِبِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُجَّةً عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا ذَلِكَ؟ قِيلَ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْمًا لَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فَقَتَلُوا وَلَهُمْ قَوْمٌ رِدْءٌ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْقَتْلِ قُتِلَ الْقَاتِلُونَ بِقَتْلِهِمْ وَالرَّادُّونَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا بِقُوَّتِهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ رَوَيْت فِي هَذَا شَيْئًا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةً فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت رَجُلًا شَدِيدًا أَرَادَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ لِرَجُلٍ شَدِيدٍ لَوْلَا ضَعْفِي قَتَلْت فُلَانًا فَقَالَ أَنَا أُكَتِّفُهُ لَك فَكَتَّفَهُ وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَرَفَعَ لِحْيَتَهُ حَتَّى أَبْرَزَ مَذْبَحَهُ وَأَعْطَى الضَّعِيفَ سِكِّينًا فَذَبَحَهُ فَزَعَمْت أَنَّك تَقْتُلُ الذَّابِحَ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ وَلَا تَلْتَفِتُ إلَى مَعُونَةِ هَذَا الَّذِي كَانَ سَبَبَهُ لِأَنَّ السَّبَبَ غَيْرُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى الْفِعْلِ أَكَانَ هَذَا أَعْوَنَ عَلَى قَتْلِ هَذَا أَوْ الرِّدْءَ عَلَى قَتْلِ مَنْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ؟ ثُمَّ تَقُولُ فِي الرِّدْءِ لَوْ كَانُوا حَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَ الْقَوْمَ وَيُعَزِّزُونَهُمْ وَيُقَوُّونَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ إلَّا التَّعْزِيرُ فَمَنْ حَدَّ لَك حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ قَالَ فَصَاحِبُكُمْ يَقُولُ مَعِي مِثْلُ هَذَا فِي الرِّدْءِ يُقْتَلُونَ قُلْت فَتَقُومُ لَك بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِك إنْ كَانَ قَوْلُك لَا يَكُونُ حُجَّةً أَفَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِنَا الَّذِي تَسْتَدْرِكُ عَلَيْهِ مِثْلَ هَذَا حُجَّةً؟ قَالَ فَلَا تَقُلْهُ قُلْت لَا وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْقِلُ يَقُولُهُ وَمَنْ قَالَهُ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ وَلَزِمَهُ كَثِيرٌ مِمَّا احْتَجَجْت بِهِ فَلَوْ كُنْت إذَا احْتَجَجْت فِي شَيْءٍ أَوْ عِبْته سَلِمْت مِنْهُ كَانَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَيُحْبَسُ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَمُوتَ فَخَالَفَ مَا احْتَجَّ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>