شَيْءٌ وَالْمُقِيمُ عَلَيْهِ مَأْجُورٌ فِيهِ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَزْنِيَ وَهُوَ بِكْرٌ فَيَجْلِدَهُ أَوْ يَسْرِقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ فَيَقْطَعَهُ أَوْ يَجْرَحَ جُرْحًا فَيَقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ يَقْذِفَ فَيُجْلَدَ حَدَّ الْقَذْفِ فَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدٍّ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ مَاتَ فِيهِ فَالْحَقُّ قَتْلُهُ فَلَا عَقْلَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي يَسْقُطُ فِيهِ الْعَقْلُ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ بِهِ الدَّاءُ الطَّبِيبَ أَنْ يَبُطَّ جَرْحَهُ أَوْ الْأَكْلَةُ أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا يَخَافُ مَشْيَهَا إلَيْهِ أَوْ يَفْجُرَ لَهُ عِرْقًا، أَوْ الْحَجَّامَ أَنْ يَحْجُمَهُ أَوْ الْكَاوِيَ أَنْ يَكْوِيَهُ أَوْ يَأْمُرَ أَبُو الصَّبِيِّ أَوْ سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ الْحَجَّامَ أَنْ يَخْتِنَهُ فَيَمُوتَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمَأْمُورُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا عَقْلَ وَلَا مأخوذية إنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ الطَّبِيبَ وَالْحَجَّامَ إنَّمَا فَعَلَاهُ لِلصَّلَاحِ بِأَمْرِ الْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ وَالِدِ الصَّبِيِّ أَوْ سَيِّدِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَمْرُهُ فِي كُلِّ نَظَرٍ لَهُمَا كَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا أَمْرُ أَنْفُسِهِمَا لَوْ كَانَا بَالِغَيْنِ فَأَمَّا مَا عَاقَبَ بِهِ السُّلْطَانُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَجَبَ لِلَّهِ وَتَلِفَ مِنْهُ الْمُعَاقَبُ فَعَلَى السُّلْطَانِ عَقْلُ الْمُعَاقَبِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْعَقْلِ الَّذِي يَلْزَمُ السُّلْطَانُ فَأَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ وَاَلَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَرْضَى مِنْ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ وَقَدْ قَالَ غَيْرُنَا مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ الْعَقْلُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا يُؤَدِّبُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ فَالْعَقْلُ عَلَيْهِمْ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ وَهَكَذَا الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ امْرَأَتَهُ فَتُؤْتَى عَلَى يَدَيْهِ فَتَتْلَفُ الْعَقْلُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ لَا يَلْزَمُ السُّلْطَانَ أَنْ يَقُومَ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ قَتْلٍ وَلَمْ يُبِحْهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ لَهُ فَنَالَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْلُ بِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لِمَ زَعَمْت أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَأَنْ يَحُدَّ ثُمَّ أَبْطَلْت مَا تَلِفَ بِالْحَدِّ وَأَلْزَمْته مَا تَلِفَ بِالْأَدَبِ؟ قُلْنَا فَإِنَّ الْحَدَّ فَرْضٌ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ بِتَرْكِهِ وَالْأَدَبُ أَمْرٌ لَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا بِالرَّأْيِ وَحَلَالٌ لَهُ تَرْكُهُ أَلَا تَرَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَدْ غَلُّوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ.» وَلَوْ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ تَلْزَمُ لُزُومَ الْحَدِّ مَا تَرَكَهُمْ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَطَعَ امْرَأَةً لَهَا شَرَفٌ فَكُلِّمَ فِيهَا فَقَالَ: «لَوْ سَرَقَتْ فُلَانَةُ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ لَقَطَعْت يَدَهَا» وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} وَاَلَّذِي يُعْرَفُ أَنَّ الْخَطَأَ أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ غَيْرَهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَى غَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَمْ أَعْلَمُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ وَأَنْ يَرْمِيَ الْغَرَضَ وَأَنَّهُ لَوْ رَمَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا يَرَى إنْسَانًا وَلَا شَاةً لِإِنْسَانٍ فَأَصَابَتْ الرَّمْيَةُ إنْسَانًا أَوْ شَاةً لِإِنْسَانٍ ضَمِنَ دِيَةَ الْمُصَابِ إذَا مَاتَ وَثَمَنَ الشَّاةِ إذَا مَاتَتْ فَوَجَدْت حُكْمَهُمْ لَهُ بِإِبَاحَةِ الرَّمْيَةِ إذَا تَعَقَّبَ فَمَعْنَاهُ مَعْنَى أَنْ يَرْمِيَ عَلَى أَنْ لَا يُتْلِفَ مُسْلِمًا وَلَا حَقَّ مُسْلِمٍ وَوَجَدْته يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الرَّمْيَ كَمَا وَجَدْته يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَ الْعُقُوبَةَ وَكَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ وَلَهُ تَرْكُهُ بِالرَّمْيَةِ يَرْمِيهَا الرَّجُلُ مُبَاحَةً لَهُ وَلَهُ تَرْكُهَا فَيُتْلِفُ شَيْئًا فَيَضْمَنُهُ الرَّامِي أَشْبَهَ بِهِ مِنْهُ بِالْحَدِّ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْخُذَهُ بَلْ الْعُقُوبَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً إنْ جَاءَ فِيهَا تَلَفٌ مِنْ الرَّمْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الرَّمْيَةَ مُبَاحَةٌ وَقَدْ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَيَكْرَهُ بَعْضُهُمْ الْعُقُوبَةَ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لَا يَبْلُغُ بِالْعُقُوبَةِ كَذَا وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لَا يُزَادُ فِيهَا عَلَى كَذَا وَفِي مِثْلِ مَعْنَى الرَّامِي الرَّجُلُ يُؤَدِّبُ امْرَأَتَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا وَكَانَ التَّرْكُ خَيْرًا لَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْدَ الْإِذْنِ بِضَرْبِهِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute