للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ عَزَّ وَعَلَا {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} وَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَوْلِ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّ امْرَأً لَا يَكُونُ مَوْرُوثًا أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ مَوْرُوثًا وَأَنَّ الْأَحْيَاءَ خِلَافُ الْمَوْتَى فَمَنْ وَرِثَ حَيًّا دَخَلَ عَلَيْهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - خِلَافَ حُكْمِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَا: وَالنَّاسُ مَعَنَا بِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِي جُمْلَتِهِ وَقُلْنَا بِهِ فِي الْمَفْقُودِ وَقُلْنَا لَا يُقَسَّمُ مَالُهُ حَتَّى يُعْلَمَ يَقِينُ وَفَاتِهِ.

وَقَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ فِي امْرَأَتِهِ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالْعَجْزِ عَنْ إصَابَتِهَا. وَنُفَرِّقُ نَحْنُ بِالْعَجْزِ عَنْ نَفَقَتِهَا وَهَاتَانِ سَبَبَا ضَرَرٍ، وَالْمَفْقُودُ قَدْ يَكُونُ سَبَبَ ضَرَرٍ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَعَابَ بَعْضُ الْمَشْرِقِيِّينَ الْقَضَاءَ فِي الْمَفْقُودِ، وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَا وَصَفْنَا مِمَّا يَقُولُونَ فِيهِ بِقَوْلِنَا وَيُخَالِفُونَا، وَقَالُوا: كَيْفَ يَقْضِي لِامْرَأَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَيِّتًا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَلَمْ يَأْتِ يَقِينُ مَوْتِهِ؟ ثُمَّ دَخَلُوا فِي أَعْظَمَ مِمَّا عَابُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَجُمْلَةُ مَا عَابُوا، فَقَالُوا فِي الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فِي ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ فَيَلْحَقُ بِمَسْلَحَةٍ مِنْ مَسَالِحِ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ قَائِمًا فِيهَا يَتَرَهَّبُ، أَوْ جَاءَ إلَيْنَا مُقَاتِلًا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَتُحَلُّ دُيُونُهُ وَيُعْتَقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ ثُمَّ يَعُودُ لِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ فَيَقُولُ فِيهِ قَوْلًا مُتَنَاقِضًا خَارِجًا كُلَّهُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ: مَا وَصَفْت بَعْضَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُهُمْ عِنْدَهُمْ، أَوْ كَأَعْلَمِهِمْ فَقُلْت لَهُ مَا وَصَفْت، وَقُلْت: لَهُ أَسْأَلُك عَنْ قَوْلِك، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حَرَامًا أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ أَبَدًا قَوْلًا لَيْسَ خَبَرًا لَازِمًا، أَوْ قِيَاسًا أَقَوْلُكَ فِي أَنْ يُورَثَ الْمُرْتَدُّ، وَهُوَ حَيٌّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ خَبَرًا، أَوْ قِيَاسًا؟ فَقَالَ: أَمَّا خَبَرٌ فَلَا، فَقُلْت: فَقِيَاسٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مِنْ وَجْهٍ، قُلْت فَأَوْجِدْنَا ذَلِكَ الْوَجْهَ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعِي فِي الدَّارِ وَكُنْتُ قَادِرًا عَلَيْهِ قَتَلْته؟ فَقُلْت فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ فَتَقْتُلُهُ أَفَمَقْتُولٌ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ بِلَا قَتْلٍ؟ قَالَ: لَا قُلْت: فَكَيْفَ حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى، وَهُوَ غَيْرُ مَيِّتٍ؟ أَوَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ عِلَّتُك بِأَنَّك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ فِي حَالِهِ تِلْكَ فَقَتَلْته فَجَعَلْته فِي حُكْمِ الْمَوْتَى فَكَانَ هَارِبًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُقِيمًا عَلَى الرِّدَّةِ دَهْرًا مِنْ دَهْرِهِ أَتُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَأَسْمَعُ عِلَّتَك بِأَنَّك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته. قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِ حُكِمَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى كَانَتْ بَاطِلًا عِنْدَك فَرَجَعْت إلَى الْحَقِّ عِنْدَك فِي أَنْ لَا تَقْتُلَهُ إذَا كَانَ هَارِبًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَنْتَ لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته.

وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَك حَقًّا فَتَرَكْت الْحَقَّ فِي قَتْلِهِ إذَا كَانَ هَارِبًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ. قُلْت: فَإِنَّمَا قَسَّمْت مِيرَاثَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ دُونَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَالْمُسْلِمُ يَلْحَقُ بِدَارِ الْكُفْرِ أَيُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ إذَا كَانَ فِي دَارٍ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا الْحُكْمُ؟ قَالَ: لَا. قُلْنَا فَالدَّارُ لَا تُمِيتُ أَحَدًا، وَلَا تُحْيِيهِ، فَهُوَ حَيٌّ حَيْثُ كَانَ حَيًّا وَمَيِّتٌ حَيْثُ كَانَ مَيِّتًا.

قَالَ نَعَمْ: قُلْنَا أَفَتَسْتَدْرِكُ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ أَقْبَحُ أَنْ تَقُولَ الْحَيُّ مَيِّتٌ؟ أَرَأَيْت لَوْ تَابَعَك أَحَدٌ عَلَى أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ حَيًّا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْك أَنَّ مَنْ تَابَعَك عَلَى هَذَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ غَبِيٌّ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ. فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ مَعًا عَلَى دَلَالَةِ الْمَعْقُولِ عَلَى خِلَافِكُمَا مَعًا؟.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت: لَهُ عِبْتُمْ عَلَى مَنْ قَالَ: قَوْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَمِنْ أَصْلِ مَا تَذْهَبُونَ كَمَا تَزْعُمُونَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: قَوْلًا كَانَ قَوْلُهُ غَايَةً يُنْتَهَى إلَيْهَا وَقَبِلْتُمْ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ وَجَبَ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَرَدَدْتُمْ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَوْلُهُ {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>