فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَإِذَا عَطَّلَهَا كَانَ لِمَنْ يُحْيِيهَا الْعَمَلُ فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ قَالَ: وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مِلْكِهَا وَبَيْنَ مِلْكِ الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا، وَلَا بَيْعُ الْأَرْضِ لَا مَعْدِنَ فِيهَا، قَالَ: وَمَنْ قَالَ: هَذَا قَالَ وَلَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا السُّلْطَانُ، وَهُوَ يَعْمَلُهَا مِلْكًا بِكُلِّ حَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت وَكَانَ هَذَا جَوْرًا مِنْ السُّلْطَانِ يُرَدُّ، وَإِنْ عَمِلَهَا هُوَ بِغَيْرِ عَطَاءٍ مِنْ السُّلْطَانِ كَانَتْ لَهُ حَتَّى يُعَطِّلَهَا، وَمَنْ قَالَ هَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْفِرَ الْبِئْرَ بِالْبَادِيَةِ فَتَكُونَ لَهُ، فَإِذَا أَوْرَدَ مَاشِيَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ فَضْلِ مَائِهَا وَجَعَلَ عَمَلَهُ فِيهَا غَيْرَ إحْيَاءٍ لَهُ جَعَلَهُ مِثْلَ الْمَنْزِلِ يَنْزِلُ بِالْبَادِيَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْهُ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَنْ يَنْزِلُهُ وَجَعَلَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَعْدِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلُّ تِبْرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُطْلَبُ بِالْعَمَلِ، وَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَظُهُورِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ هَذَا ظَاهِرًا مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَعَهُ، وَلَا يَمْنَعَهُ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الشَّذْرُ يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقْطَعَ أَرْضًا فَأَحْيَاهَا بِعِمَارَةِ بِنَاءٍ، أَوْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ كَانَ يَمْلِكُهُ مَلَكَ الْأَرْضَ وَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا يَمْنَعُ أَرْضَهُ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُقْطِعَ الْمَعْدِنَ فَعَمِلَ فِيهِ، فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَمِلَهُ بِغَيْرِ إقْطَاعٍ، وَمَا قُلْت فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا فِي الْمَعَادِنِ فَإِنَّمَا أَرَدْت بِهَا الْأَرْضَ الْقَفْرَ تَكُونُ أَرْضَ مَعَادِنَ فَيَعْمَلُهَا الرَّجُلُ مَعَادِنَ، وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عَمَلُهُ فِيهَا لَا يُمَلِّكُهُ إيَّاهَا إلَّا مِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ يَمْنَعُهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ، فَإِذَا عَطَّلَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ غَيْرَهُ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي إذَا عَمِلَ فِيهَا فَهُوَ كَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا أَبَدًا، وَلَا تُمْلَكُ إلَّا عَنْهُ.
(قَالَ): وَكُلُّ مَعْدِنٍ عُمِلَ جَاهِلِيًّا ثُمَّ أَرَادَ رَجُلٌ اسْتِقْطَاعَهُ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ:
مِنْهَا أَنَّهُ كَالْبِئْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمَاءِ الْمُعَدِّ فَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ الْعَمَلَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ يَعْمَلُ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَبَقُوا إلَيْهِ فَإِنْ وَسِعَهُمْ عَمِلُوا مَعًا، وَإِنْ ضَاقَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَبْدَأُ ثُمَّ يَتْبَعُ الْآخَرُ فَالْآخَرُ حَتَّى يَتَوَاسَوْا فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَعْمَلُ فِيهِ مَنْ أَقْطَعَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَرْضِ، فَإِذَا تَرَكَهُ عَمِلَ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَالثَّالِثُ: يَقْطَعُهُ فَيَمْلِكُهُ مِلْكَ الْأَرْضِ إذَا أَحْدَثَ فِيهِ عِمَارَةً وَكُلُّ مَا وَصَفْت مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتِ وَإِقْطَاعِ الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا أَعْنِي فِي عَفْوِ بِلَادِ الْعَرَبِ الَّذِي عَامِرُهُ عُشْرٌ وَعَفْوُهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَالَ: وَكُلُّ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ عَنْوَةً مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ فَعَامِرُهُ كُلُّهُ لِمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِأَهْلِ الْخُمْسِ سَهْمٌ وَأَرْبَعَةٌ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قَسْمَ الْمِيرَاثِ وَمَا مَلَكُوا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَمَا كَانَ فِي قَسْمِ أَحَدِهِمْ مِنْ مَعْدِنٍ فَهُوَ لَهُ كَمَا يَظْهَرُ الْمَعْدِنُ فِي دَارِ الرَّجُلِ فَيَكُونُ لَهُ وَيَظْهَرُ بِئْرُ الْمَاءِ فَيَكُونُ لَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ فَوَقَعَ فِي قَسَمِ رَجُلٍ بِقِيمَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ كَمَا يَقَعُ فِي قَسْمِهِ الْعِمَارَةُ بِقِيمَةٍ فَتَكُونُ لَهُ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ مِمَّا عُمِّرَ مَرَّةً ثُمَّ تُرِكَ فَهُوَ كَالْعَامِرِ الْقَائِمِ الْعِمَارَةِ وَذَلِكَ مَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَنْهَارُ وَعُمِّرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى نُطَفِ السَّمَاءِ وَبِالرِّشَاءِ وَكُلِّ مَا كَانَ لَمْ يُعَمَّرْ قَطُّ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَكَانَ مَوَاتًا فَهُوَ كَالْمَوَاتِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ لَا يَخْتَلِفُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقْطِعَ مِنْهُ أَقْطَعَ مِمَّنْ أَوْجَفَ، أَوْ لَمْ يُوجِفْ هُمْ سَوَاءٌ فِيهِ لَا تَخْتَلِفُ حَالَاتُهُمْ فِيمَا أَحْيَوْا وَأَرَادُوا مِنْ الْإِقْطَاعِ، قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ صُلْحًا فَانْظُرْ مَالِكَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ مَالِكِيهِ فَهُوَ لَهُمْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَعْدِنًا، وَلَا غَيْرَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَعَلَيْهِمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مَالِكِينَ شَيْئًا مِنْهُ بِشَيْءٍ تُرِكَ لَهُمْ فَخُمْسُ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ كَانُوا فَيُقَسَّمُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَالدُّورِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَمَنْ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ.
وَإِنْ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَوَاتٍ مَعَ الْعَامِرِ فَالْمَوَاتُ مَمْلُوكٌ كَالْعَامِرِ وَمَا كَانَ فِي حَقِّ امْرِئٍ مِنْ مَعْدِنٍ فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ مِنْ مَعْدِنٍ فَبَيْنَهُمْ كَمَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ مَا سِوَاهُ، وَإِنْ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute