وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِأَنْ يَكُونَ دُهْنًا مِنْ الْأَدْهَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ زَيْتِ الزَّيْتُونِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ رَجُلٌ أَكَلْت زَيْتًا أَوْ اشْتَرَيْت زَيْتًا عُرِفَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ زَيْتُ الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُ دُونَ زَيْتِ الْفُجْلِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الزَّيْتِ فَلَا يُبَاعُ بِالزَّيْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالسَّلِيطُ دُهْنُ الْجُلْجُلَانِ وَهُوَ صِنْفٌ غَيْرُ زَيْتِ الْفُجْلِ وَغَيْرِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فَلَا بَأْسَ بِالْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَكَذَلِكَ دُهْنُ الْبِزْرِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا، كُلُّ دُهْنٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ دُهْنَ غَيْرِهِ دُهْنُ الصَّنَوْبَرِ وَدُهْنُ الْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَدُهْنُ الْخَرْدَلِ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ وَدُهْنُ نَوَى الْمِشْمِشِ وَدُهْنُ اللَّوْزِ وَدُهْنُ الْجَوْزِ فَكُلّ دُهْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ فَاخْتَلَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ أَوْ تِلْكَ الْحَبَّةِ أَوْ تِلْكَ الْعُجْمَةِ فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ خَرَجَ مِنْ حَبَّةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ عُجْمَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ صِنْفِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ نَسِيئَةً لَا بَأْسَ بِدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ فُجْلٍ وَدُهْنِ خَرْدَلٍ بِدُهْنِ لَوْزٍ وَدُهْنِ لَوْزٍ بِدُهْنِ جَوْزٍ، اُرْدُدْ أُصُولَهُ كُلَّهُ إلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَاحِدًا فَهُوَ صِنْفٌ كَالْحِنْطَةِ صِنْفٌ.
وَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَصْلَيْنِ مُفْتَرَقَيْنِ فَهُمَا صِنْفَانِ مُفْتَرَقَانِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ فَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ وَالْمَشْرُوبَةِ لِلْغِذَاءِ وَالتَّلَذُّذِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا كَهُوَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْهَانِ شَيْءٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا لِدَوَاءٍ وَلَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الرِّبَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِعَشْرَةٍ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَوَاحِدٌ مِنْهُ بِوَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً إنَّمَا الرِّبَا فِيمَا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ بِحَالٍ وَفِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الدُّهْنِ قِيلَ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُ الْحِنْطَةَ وَالذُّرَةَ وَالْأُرْزَ اسْمُ الْحَبِّ فَلَمَّا تَبَايَنَ حِلُّ الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَيْسَ لِلْأَدْهَانِ أَصْلُ اسْمٍ مَوْضُوعٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِمَعَانِي أَنَّهَا تُنْسَبُ إلَى مَا تَكُونُ مِنْهُ فَأَمَّا أُصُولُهَا مِنْ السِّمْسِمِ وَالْحَبِّ الْأَخْضَرِ وَغَيْرِهِ فَمَوْضُوعٌ لَهُ أَسْمَاءُ كَأَسْمَاءِ الْحِنْطَةِ لَا بِمَعَانٍ.
فَإِنْ قِيلَ فَالْحَبُّ الْأَخْضَرُ بِمَعْنًى فَاسْمُهُ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ الْبُطْمُ وَالْعَسَلُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ بِالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ وَاَلَّذِي إذَا لَقِيت رَجُلًا فَقُلْت لَهُ عَسَلٌ عَلِمَ أَنَّ عَسَلَ النَّحْلِ صِنْفٌ وَقَدْ سُمِّيَتْ أَشْيَاءُ مِنْ الْحَلَاوَةِ تُسَمَّى بِهَا عَسَلًا وَقَالَتْ الْعَرَبُ لِلْحَدِيثِ الْحُلْوِ حَدِيثٌ مَعْسُولٌ وَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ الْحُلْوَةِ الْوَجْهِ مَعْسُولَةُ الْوَجْهِ وَقَالَتْ فِيمَا الْتَذَّتْ هَذَا عَسَلٌ وَهَذَا مَعْسُولٌ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لَكِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» يَعْنِي يُجَامِعُهَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْمُسْتَحْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ فَقَالُوا لِكُلِّ مَا اسْتَحْلَوْهُ عَسَلٌ وَمَعْسُولٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَى اسْتِحْلَاءَ الْعَسَلِ قَالَ فَعَسَلُ النَّحْلِ الْمُنْفَرِدِ بِالِاسْمِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَلَى مَا وُصِفَتْ مِنْ الشَّبَهِ وَالْعَسَلُ فِطْرَةُ الْخَالِقِ لَا صَنْعَةَ لِلْآدَمِيِّينَ فِيهِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْحُلْوِ فَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ قَصَبٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ حَبَّةٍ كَمَا تُسْتَخْرَجُ الْأَدْهَانُ فَلَا بَأْسَ بِالْعَسَلِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَسَلًا إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت فَإِنَّمَا يُقَالُ عَصِيرُ قَصَبٍ وَلَا بَأْسَ الْعَسَلُ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلَا بِرُبِّ الْعِنَبِ وَلَا بَأْسَ بِعَصِيرِ الْعِنَبِ بِعَصِيرِ قَصَبِ السُّكَّرِ؛ لِأَنَّهُمَا مُحْدَثَانِ وَمِنْ شَجَرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ رُبِّ التَّمْرِ بِرُبِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ شَيْءٍ فَكَانَ حُلْوًا فَأَصْلُهُ عَلَى مَا وَصَفْت عَلَيْهِ أُصُولَ الْأَدْهَانِ مِثْلُ عَصِيرِ الرُّمَّانِ بِعَصِيرِ السَّفَرْجَلِ وَعَصِيرِ التُّفَّاحِ بِعَصِيرِ اللَّوْزِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، فَعَلَى هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ صِنْفٌ بِمِثْلِهِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ إنْ كَانَ يُوزَنُ وَكِيلًا إنْ كَانَ أَصْلُهُ الْكَيْلَ بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إنَّمَا يُدَّخَرُ مَطْبُوخًا فَأَعْطَيْت مِنْهُ نَيْئًا بِمَطْبُوخٍ فَالنَّيْءُ إذَا طُبِخَ يَنْقُصُ فَيَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ فِي النَّيْءِ فَلَا يَحِلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute