فِيهَا حَدِيثَانِ مُتَّصِلَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ وَهُوَ لَا يُخَالِفُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ وَأَرَدْت تُثْبِتُ حَدِيثًا رَوَيْته عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ يُخَالِفُهُ فِيهِ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ أَقَاوِيلِك، وَقُلْت لَهُ: وَأَصْلُ قَوْلِك أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا لَا يُخَالِفُهُ فِيهِ غَيْرُهُ لَزِمَك، وَقَدْ بَاعَتْ عَائِشَةُ مُدَبَّرَةً لَهَا فَكَيْفَ خَالَفْتهَا مَعَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتُمْ رَاوُونَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ شَيْئًا فِي الْبُيُوعِ تَزْعُمُ وَأَصْحَابُك أَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُهُ وَتَقُولُ: لَا أُخَالِفُ عَائِشَةَ، ثُمَّ تُخَالِفُهَا وَمَعَهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ: وَأَنْتَ مَحْجُوجٌ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيمَا نُثْبِتُهُ مَحْجُوجًا كُنْت مَحْجُوجًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ فِيمَا تَزْعُمُ أَنَّك تَذْهَبُ إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِعَائِشَةَ فِيهِ قَوْلٌ كُنْت مَحْجُوجًا بِالْقِيَاسِ وَمَحْجُوجًا بِحُجَّةٍ أُخْرَى، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْت: هَلْ يَكُونُ لَك أَنْ تَقُولَ إلَّا عَلَى أَصْلٍ، أَوْ قِيَاسٍ عَلَى أَصْلٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: وَالْأَصْلُ كِتَابٌ، أَوْ سُنَّةٌ، أَوْ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعُ النَّاسِ، قَالَ: لَا يَكُونُ أَصْلٌ أَبَدًا إلَّا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، قُلْت: وَقَوْلُك فِي الْمُدَبَّرِ دَاخِلٌ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: أَفَقِيَاسٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، قَالَ: أَمَّا قِيَاسًا فِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا، قُلْت: فَمَعَ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ قِيَاسٌ؟ قَالَ: إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ وَمَاتَ سَيِّدُهُ عَتَقَ، قُلْت: نَعَمْ بِوَصِيَّتِهِ كَعِتْقِ غَيْرِ الْمُدَبَّرِ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، قُلْت: بَلْ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُبَاعَ، قَالَ: لَسْنَا نَقُولُهُ وَلَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ، قُلْت جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَغَيْرُهُمْ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَكِّيِّينَ وَعِنْدَك بِالْعِرَاقِ مَنْ يَبِيعُهُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ يَبِيعُهُ، فَكَيْفَ ادَّعَيْت فِيهِ الْأَكْثَرَ وَالْأَكْثَرُ مَنْ مَضَى عَلَيْك مَعَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ مَعَ السُّنَّةِ وَإِنْ كُنْت مَحْجُوجًا بِكُلِّ مَا ادَّعَيْت وَبِقَوْلِ نَفْسِك، قَالَ: وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ نَفْسِي؟ فَقُلْت: أَرَأَيْت الْمُدَبَّرَ لَمْ أَعْتِقْهُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَسْتَسْعِيهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْعِتْقُ لَهُ ثَابِتًا كَهُوَ لِأُمِّ الْوَلَدِ أَلَمْ تُعْتِقْهُ فَارِغًا مِنْ الْمَالِ وَلَا تَسْتَسْعِيه أَبَدًا، قَالَ: إنَّمَا فَعَلْت هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ، قُلْت: أَرَأَيْت وَصِيَّةً لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، قَالَ: لَا، غَيْرُ الْمُدَبَّرِ، قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَصَايَا فَتَجْعَلَ لِصَاحِبِهَا فِي بَعْضِهَا الرُّجُوعَ وَلَا تَجْعَلَ لَهُ فِي بَعْضٍ بِلَا خَبَرٍ يَلْزَمُ فَيَجُوزُ عَلَيْك أَنْ يَرْجِعَ الْمُوصِي فِي الْمُدَبَّرِ وَلَا يَرْجِعُ فِي عَبْدٍ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ غَيْرَ مُدَبِّرٍ، قَالَ: النَّاسُ مُجْتَمَعُونَ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْوَصَايَا وَمُتَفَرِّقُونَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي الْمُدَبَّرِ، قُلْت: فَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْوَصَايَا غَيْرَهُ وَافْتَرَقُوا فِيهِ فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلْ الْقَوْلَ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا يَرْجِعُ فِيهِ فَتَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَا يَرْجِعُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ أَصْلَ قَوْلِهِ فِي أَنَّهُ وَصِيَّةٌ إذَا كَانَ يَرُدُّهُ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْوَصَايَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ ذَكَرْت أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ إذَا مِتّ أَنَا وَفُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَتْ السَّنَةُ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، فَقُلْت: فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هَذَا وَلَا يَرْجِعَ فِي قَوْلِهِ: إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ؟ فَقَالَ: مَا هُمَا فِي الْقِيَاسِ إلَّا سَوَاءٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْأَمْرِ فِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَمَالِيكُ لَهُ أَوْصَى لَهُمْ بِالْعِتْقِ فِي وَقْتٍ لَمْ يَقَعْ فَنُثْبِتُ لَهُمْ بِهِ حُرِّيَّةٌ، قُلْنَا: فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَيْك فِي الْمُدَبَّرِ قَالَ: وَأَخْرَجْت الْمُدَبَّرَ اتِّبَاعًا، وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ، قُلْنَا: فَمَنْ اتَّبَعْت فِيهِ إنْ كَانَ قَالَ قَوْلَك أَحَدٌ أَكْثَرُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَاذْكُرْهُ، فَقَدْ خَالَفْت الْقِيَاسَ كَمَا زَعَمْت وَخَالَفَتْ السُّنَّةَ وَالْأَثَرَ وَأَنْتَ تَتْرُكُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَقَاوِيلَ لَهُ لَا يُخَالِفُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَتَزْعُمُ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْك فِيهِ حُجَّةٌ وَاَلَّذِينَ احْتَجَجْت بِمُوَافَقَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا يُخَالِفُونَك فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute