للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُخَصَّ مَالٌ دُونَ مَالٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ: إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَكَيْفَ؟ قُلْت لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ؟ قَالَ: فَإِنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَوْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ تَثْبُتُ رِوَايَتُهُ غَيْرَ أَبِي سَعِيدٍ؟ قَالَ لَا قُلْت أَفَالْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى لِذِي الْقُرْبَى سَهْمَهُمْ أَثْبَتُ رِجَالًا وَأَعْرَفُ وَأَفْضَلُ أَمْ مَنْ رَوَى دُونَ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: بَلْ مَنْ رَوَى مِنْهُمْ ذِي الْقُرْبَى قُلْت، وَقَدْ قَرَأْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ عُهُودٍ: عَهْدَهُ لِابْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَعَهْدَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى نَجْرَانَ وَعَهْدًا ثَالِثًا وَلِأَبِي بَكْرٍ عَهْدًا وَلِعُمَرَ عُهُودًا وَلِعُثْمَانَ عُهُودًا فَمَا وَجَدْت فِي وَاحِدٍ مِنْهَا قَطُّ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».

وَقَدْ عَهِدُوا فِي الْعُهُودِ الَّتِي قَرَأْت عَلَى الْعُمَّالِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَدِيثٍ ثَابِتٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» غَيْرَ أَبِي سَعِيدٍ، وَلَا وَجَدْنَا أَحَدًا قَطُّ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ فَهَلْ وَجَدْته؟ قَالَ: لَا قُلْت أَفَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ النَّاسِ مِنْ الطَّعَامِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَفِي السَّنَةِ مِرَارًا لِاخْتِلَافِ زُرُوعِ الْبُلْدَانِ وَثِمَارِهَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ مَشْهُورًا مَعْرُوفًا أَمْ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي هُوَ لِنَفَرٍ بِعَدَدٍ، وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ: كِلَاهُمَا مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا قُلْت أَفَتَطْرَحُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ تَأَوَّلَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَحَدِيثًا مِثْلَهُ وَيُخَالِفُهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَقَعُ عَلَى مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ، وَلَا عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي أَكْتَفِي بِالسُّنَّةِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَقُلْت لَهُ قَالَ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الْآيَةَ.

وَقَدْ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ سِوَى مَا سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَاحْتَجُّوا بِالْقُرْآنِ وَهُمْ كَمَا تَعْلَمُ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَرَوَى أَبُو إدْرِيسَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» وَوَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِيمَا يَقُولُ قَالَ: كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَذَكَرَهُ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِمَّا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ، وَلَوْ عَلِمَ الَّذِي قَالَ قَوْلًا يُخَالِفُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ رَجَعَ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْزُبُ عَنْ الطَّوِيلِ الصُّحْبَةِ السُّنَّةُ وَيَعْلَمُهَا بَعِيدُ الدَّارِ قَلِيلُ الصُّحْبَةِ وَقُلْت لَهُ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ وَغَيْرُهُمْ الْجَدَّ أَبًا وَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ فَخَالَفْته لِقَوْلِ زَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَعَمْ وَخَالَفْت أَبَا بَكْرٍ فِي إعْطَاءِ الْمَمَالِيكِ فَقُلْت لَا يُعْطَوْنَ قَالَ: نَعَمْ وَخَالَفْت عُمَرَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَالْبَتَّةِ، وَفِي الَّتِي تُنْكَحُ فِي عِدَّتِهَا، وَفِي أَنَّ ضِعْفَ الْغُرْمِ عَلَى سُرَّاقِ نَاقَةِ الْمُزَنِيِّ وَفِي أَنْ قَضَى فِي الْقَسَامَةِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ، وَفِي أَنْ جَلَدَ فِي التَّعْرِيضِ الْحَدَّ، وَجَلَدَ فِي رِيحِ الشَّرَابِ الْحَدَّ، وَفِي أَنْ جَلَدَ وَلِيدَةَ حَاطِبٍ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَدَّ الزِّنَا حَدَّ الْبِكْرِ، وَفِي شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْهُ مَا تُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُ مَا تُخَالِفُهُ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ قَالَ: نَعَمْ أُخَالِفُهُ لِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت لَهُ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَسَمَ مَالَهُ صَحِيحًا بَيْنَ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَيْسًا فَقَالَا: نَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ لَا أَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ سَعْدٌ وَوَهَبَ لَهُمْ نَصِيبَهُ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رَدُّ شَيْءٍ أُعْطَوْهُ وَلَيْسَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا فَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَتَرُدُّ قَوْلَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بَعْدَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ لَا مُخَالِفَ لَهُمَا إلَّا مَا لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>