للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِجْلَائِهِمْ عَنْهَا أَنْ لَا يَسْكُنُوهَا وَيَحْتَمِلُ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ» لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ مُقِيمَانِ، وَلَوْلَا أَنَّ عُمَرَ وَلَّى الْخَرَاجَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْتَمِلٌ مَا رَأَى عُمَرُ مِنْ أَنَّ أَجَلَ مَنْ قَدِمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَاجِرًا ثَلَاثٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَرَأَيْت أَنْ لَا يُصَالَحُوا بِدُخُولِهَا بِكُلِّ حَالٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يَتَّخِذُ ذِمِّيٌّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا، وَلَا يُصَالَحُ عَلَى دُخُولِهَا إلَّا مُجْتَازًا إنْ صُولِحَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْحِجَازَ فَذَهَبَ لَهُمْ بِهَا مَالٌ، أَوْ عَرَضٌ بِهَا شُغْلٌ قِيلَ لَهُمْ: وَكِّلُوا بِهَا مَنْ شِئْتُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْرِجُوا، وَلَا يُقِيمُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَمَّا مَكَّةُ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِحَالٍ أَبَدًا كَانَ لَهُمْ بِهَا مَالٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ غَفَلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَخَلَهَا فَمَرِضَ أُخْرِجَ مَرِيضًا، أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا، وَلَمْ يُدْفَنْ بِهَا وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ دُفِنَ حَيْثُ يَمُوتُ، أَوْ مَرِضَ فَكَانَ لَا يُطِيقُ أَنْ يُحْمَلَ إلَّا بِتَلَفٍ عَلَيْهِ، أَوْ زِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ تُرِكَ حَتَّى يُطِيقَ الْحَمْلَ ثُمَّ يُحْمَلَ قَالَ، وَإِنْ صَالَحَ الْإِمَامُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ فِي السَّنَةِ مِنْهُمْ مِمَّا قُلْت لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا فَيَقْبِضُ مَا حَلَّ عَلَيْهِمْ فَلَا يَرُدُّ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى لَهُ بِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ السَّنَةِ نَبَذَهُ إلَيْهِمْ مَكَانَهُ وَأَعْلَمَ أَنَّ صُلْحَهُمْ لَا يَجُوزُ وَقَالَ: إنْ رَضِيتُمْ صُلْحًا يَجُوزُ جَدَّدْته لَكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَوْهُ أَخَذْت مِنْكُمْ مَا وَجَبَ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ نِصْفُ مَا صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ لَكُمْ وَنَبَذْت إلَيْكُمْ، وَإِنْ كَانُوا صَالَحُوا عَلَى أَنْ سَلَّفُوهُ شَيْئًا لِسَنَتَيْنِ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا صَالَحُوهُ عَلَيْهِ إلَّا قَدْرَ مَا اسْتَحَقَّ بِمُقَامِهِمْ وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَجْلَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ وَقَدْ كَانَتْ بِهَا ذِمَّةٌ وَلَيْسَتْ بِحِجَازٍ فَلَا يُجْلِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى مُقَامِهِمْ بِالْيَمَنِ.

فَأَمَّا سَائِرُ الْبُلْدَانِ مَا خَلَا الْحِجَازِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الْمُقَامِ بِهَا، فَإِذَا وَقَعَ لِذِمِّيٍّ حَقٌّ بِالْحِجَازِ وَكَّلَ بِهِ، وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ يَدْخُلَهَا بِحَالٍ، وَلَا يَدْخُلَهَا لِمَنْفَعَةٍ لِأَهْلِهَا، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الدُّخُولِ كَتِجَارَةٍ يُعْطِي مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا كِرَاءٍ يَكْرِيهِ مُسْلِمٌ، وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِإِجْلَائِهِ مِنْ مَوْضِعٍ، فَقَدْ يُمْنَعُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُجْلِيَ مِنْهُ، وَهَذَا إذَا فَعَلَ فَلَيْسَ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنْ يُمْنَعُوا رُكُوبَ بَحْرِ الْحِجَازِ وَيُمْنَعُونَ الْمُقَامَ فِي سَوَاحِلِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ فِي بَحْرِ الْحِجَازِ جَزَائِرُ وَجِبَالٌ تُسْكَنُ مُنِعُوا سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَإِذَا دَخَلَ الْحِجَازَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ إلَيْهِ أُدِّبَ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ لَمْ يُؤَدَّبْ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ عَادَ أُدِّبَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِمَكَّةَ أُخْرِجَ مِنْهَا وَأُخْرِجَ مِنْ الْحَرَمِ فَدُفِنَ فِي الْحِلِّ، وَلَا يُدْفَنُ فِي الْحَرَمِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَضَى أَنْ لَا يَقْرُبَ مُشْرِكٌ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَلَوْ أَنْتَنَ أُخْرِجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَوْ دُفِنَ بِهَا نُبِشَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِنْ مَاتَ بِالْحِجَازِ دُفِنَ بِهَا، وَإِنْ مَرِضَ فِي الْحَرَمِ أُخْرِجَ فَإِنْ مَرِضَ بِالْحِجَازِ يُمْهَلُ بِالْإِخْرَاجِ حَتَّى يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلسَّفَرِ فَإِنْ احْتَمَلَهُ أُخْرِجَ قَالَ: وَقَدْ وَصَفْت مَقْدَمَهُمْ بِالتِّجَارَاتِ بِالْحِجَازِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُتْرَكُوا بِالْحِجَازِ بِحَالٍ لِتِجَارَةٍ وَلَا غَيْرِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>