للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيكُمْ» يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي مَصْلَحَتِكُمْ وَبِأَنَّ الْأَنْفَالَ كَانَتْ تَكُونُ عَنْهُ، وَأَنَّ عُمَرَ رَوَى أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْعَلُ فَضْلَ مَالِهِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ صَدَاقًا وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ، أَوْ جَهِلَهُ، فَإِنْ جَاءَ الزَّوْجُ بِشَاهِدَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ شَاهِدٍ حَلَفَ مَعَهُ أَعْطَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَاهِدًا إلَّا مُشْرِكًا لَمْ يُعْطِهِ بِشَهَادَةِ مُشْرِكٍ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ الْمَرْأَةَ فَإِنْ أَخْبَرَتْهُ شَيْئًا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، أَوْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يَقْبَلْهُ الْإِمَامُ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فِي نَاحِيَتِهَا وَيُحَلِّفَهُ بِأَنَّهُ دَفَعَهُ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَلَّ قَوْمٌ إلَّا وَمُهُورُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَسْرَى وَالْمُسْتَأْمَنِينَ، أَوْ الْحَاضِرِينَ لَهُمْ، أَوْ الْمُصَالِحِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مُسْلِمُونَ مِنْهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَهْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَهُ شَاهِدًا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ أَعْطَاهُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي، أَوْ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا أَعْطَاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ وَحَبَسَهُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدُمُ زَوْجَهَا، وَلَا رَسُولَهُ بِطَلَبِهَا حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ فِيمَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَمْ يَطْلُبْهُ إيَّاهُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا مَنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُقَالُ لَهُ مَمْنُوعٌ رَدُّهَا إلَيْهِ حَتَّى يَطْلُبَهَا فَيَمْنَعَ رَدَّهَا إلَيْهِ.

وَإِنْ قَدِمَ فِي طَلَبِهَا فَلَمْ يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى مَاتَ كَانَ هَكَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ مَلَّكَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ حَقَّهُ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ فَلَا يَرُدُّ إلَيْهِ الْمَهْرَ مِنْ امْرَأَةٍ قَدْ قَطَعَ حَقَّهُ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ ثَبَتَ الْخُلْعُ وَكَانَتْ بَائِنًا مِنْهُ لَا يُعْطَى مِنْ نَفَقَتِهِ شَيْءٌ مِنْ امْرَأَةٍ قَطَعَ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ بِحَالٍ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ طَلَبَ الْعِوَضَ لَمْ نُعْطِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ حَقَّهُ فِي الْعِوَضِ لَا يَكُونُ قَطْعُهُ حَقَّهُ فِي الْعِوَضِ إلَّا بِأَنْ يُحْدِثَ طَلَاقًا لَوْ كَانَتْ سَاعَتَهَا تِلْكَ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدِمَتْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ كَانَ هَذَا هَكَذَا.

قَالَ: وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً وَجَاءَ زَوْجُهَا فَلَمْ يَطْلُبْهَا حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاوِضُ بِأَنْ يَمْنَعَهَا وَهِيَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَمْ تَمُتْ، وَلَكِنْ غُلِبَتْ عَلَى عَقْلِهَا كَانَ لِزَوْجِهَا الْعِوَضُ، وَلَوْ قَدِمَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَانَ أَحَقَّ بِهَا، وَلَوْ قَدِمَ يَطْلُبُهَا مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ فَأُخِذَ مِنْهُ إنْ كَانَ أَخَذَهُ، وَلَوْ طَلَبَ الْعِوَضَ فَأُعْطِيَهُ ثُمَّ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدُ لَمْ نَرْجِعْ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بِعَقْدٍ غَيْرِهِ؛ وَإِنْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، أَوْ غَيْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ أَمْرُ الْإِمَامِ ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا يَطْلُبُهَا إلَى الْإِمَامِ لَمْ يُعْطَ عِوَضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْدُمْ عَلَيْهِ وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَتْ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَمْنَعَهَا زَوْجَهَا وَمَتَى مَا صَارَتْ إلَى دَارِ الْإِمَامِ فَمَنَعَهَا مِنْهُ فَلَهُ الْعِوَضُ وَمَتَى طَلَبَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي دَارِ الْإِمَامِ فَجَاءَ زَوْجُهَا فَلَمْ يَرْفَعْهَا إلَى الْإِمَامِ حَتَّى تَنَحَّتْ عَنْ دَارِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْعِوَضُ بِأَنْ تُقِيمَ فِي دَارِ الْإِمَامِ، وَمَتَى طَلَبَهَا بَعْدَ مُدَّتِهَا، أَوْ مَغِيبِهَا عَنْ دَارِ الْإِمَامِ فَلَا عِوَضَ لَهُ.

وَلَوْ قَدِمَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ ارْتَدَّتْ اُسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ فَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا بَعْدَ الْقَتْلِ، فَقَدْ فَاتَتْ، وَلَا عِوَضَ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَرْتَدَّ فَارْتَدَّتْ وَطَلَبَهَا لَمْ يُعْطَهَا وَأُعْطِيَ الْعِوَضَ وَاسْتُتِيبَتْ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ، وَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ قَبْلَ أَنْ تُقْتَلَ فَطَلَبَهَا أُعْطِيَ الْعِوَضُ وَقُتِلَتْ مَكَانَهَا، وَمَتَى طَلَبَهَا، فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْعِوَضَ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعَهُ مِنْهَا، وَإِنْ قَدِمَتْ وَطَلَبَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَتَلَهَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>