تَشَارَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِهَدَفٍ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَثْبُتْ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ مِنْ حَصَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الشَّنُّ بَالِيًا فِيهِ خُرُوقٌ فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخُرُوقِ فَغَابَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْهَدَفِ وَلَمْ يَسْتَمْسِكْ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّنِّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُصَابِ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه
فَإِنْ أَصَابَ طَرَفًا مِنْ الشَّنِّ فَخَرَمَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ خَاسِقًا إذَا كَانَ شَرْطُهُمَا الخواسق إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنِّ طَغْيَةٌ أَوْ خَيْطٌ أَوْ جِلْدٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ فَيَكُونُ يُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا لِأَنَّ الْخَاسِقَ مَا كَانَ ثَابِتًا فِي الشَّنِّ وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ، وَلَا يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ هَذَا خَاسِقٌ إلَّا أَنَّ الْخَاسِقَ مَا أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فِيهِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لَا خَاسِقٌ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قَدْ يَقَعَ بِالِاسْمِ عَلَى مَا أَوْهَى الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فَإِذَا خَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِبَعْضِ النَّصْلِ - فَهُوَ خَاسِقٌ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قَدْ ثَقَبَ وَإِنْ خَرَمَ.
وَإِنْ كَانَ السَّهْمُ ثَابِتًا فِي الْهَدَفِ وَعَلَيْهِ جِلْدَةٌ مِنْ الشَّنِّ أَوْ طَغْيَةٌ لَيْسَتْ بِمُحِيطَةٍ فَقَالَ الرَّامِي خَرَقَ هَذِهِ الْجِلْدَةَ فَانْخَرَمَتْ أَوْ هَذِهِ الطَّغْيَةُ فَانْخَرَمَتْ، وَقَالَ الْمَخْسُوقُ عَلَيْهِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْهَدَفِ مُتَغَلْغِلًا تَحْتَ هَذِهِ الْجِلْدَةِ أَوْ الطَّغْيَةِ اللَّتَيْنِ هُمَا طَائِرَتَانِ عَمَّا سِوَاهُمَا مِنْ الشَّنِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُحْسَبُ هَذَا خَاسِقًا بِحَالٍ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي الشَّنِّ خَرْقٌ فَأَثْبَتَ السَّهْمَ فِي الْخَرْقِ ثُمَّ ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ كَانَ خَاسِقًا لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ فِي الْهَدَفِ فَالشَّنُّ أَضْعَفُ مِنْهُ.
وَلَوْ كَانَ الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَرَمَى فَأَصَابَ ثُمَّ مَرَقَ السَّهْمُ فَلَمْ يَثْبُتْ كَانَ عِنْدِي خَاسِقًا، وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ لَا يَعُدَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الرَّامِي أَصَابَ وَمَارَ فَخَرَجَ وَقَالَ الْمُرْمَى عَلَيْهِ لَمْ يُصِبْ أَوْ أَصَابَ حَرْفَ الشَّنِّ بِالْقِدْحِ ثُمَّ مَضَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ ثُمَّ ازْدَلَفَ فَخَرَقَ الشَّنَّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرُّمَاةُ فَمِنْهُمْ مِنْ أَنْبَتَهُ خَاسِقًا وَقَالَ بِالرَّمْيَةِ أَصَابَ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ دُونَهَا شَيْءٌ فَقَدْ مَضَى بِالنَّزْعَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا لَا يُحْسَبُ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَحْدَثَ بِضَرْبَتِهِ الْأَرْضَ شَيْئًا أَحْمَاهُ فَهُوَ غَيْرُ رَمْيِ الرَّامِي وَلَوْ أَصَابَ وَهُوَ مُزْدَلِفٌ فَلَمْ يَخْسِقْ وَشَرْطُهُمْ الخواسق لَمْ يُحْسَبْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ خَاسِقًا، وَلَوْ كَانَ شَرْطُهُمَا الْمُصِيبَ حُسِبَ فِي قَوْلِ مَنْ يَحْسُبُ الْمُزْدَلِفَ وَسَقَطَ فِي قَوْلِ مَنْ يُسْقِطُهُ.
(قَالَ الرَّبِيعُ) الْمُزْدَلِفُ الَّذِي يُصِيبُ الْأَرْضَ ثُمَّ يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ فَيُصِيبُ الشَّنَّ، وَلَوْ كَانَ شَرْطُهُمْ الْمُصِيبَ فَأَصَابَ السَّهْمُ حِينَ تَفَلَّتَ غَيْرَ مُزْدَلَفِ الشَّنِّ بِقِدْحِهِ دُونَ نَصْلِهِ لَمْ يُحْسَبْ لِأَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هُوَ بِالنَّصْلِ دُونَ الْقِدْحِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ فَأَصَابَ حُسِبَ لَهُ مُصِيبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَرَفْته عَنْ الشَّنِّ وَقَدْ أَرْسَلَهُ مُصِيبًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْرَعْت بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ قَاصِرًا فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا، وَلَوْ أَسْرَعْت بِهِ وَهُوَ يَرَاهُ مُصِيبًا فَأَخْطَأَ كَانَ مُخْطِئًا وَلَا حُكْمَ لِلرِّيحِ يُبْطِلُ شَيْئًا وَلَا يَحِقُّهُ لَيْسَتْ كَالْأَرْضِ وَلَا كَالدَّابَّةِ يُصِيبُهَا ثُمَّ يَزْدَلِفُ عَنْهَا فَيُصِيبُ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ مَا كَانَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَهَتَكَهُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حَتَّى يُصِيبَ الشَّنَّ حُسِبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ وَهَتْكَهُ لَمْ يُحْدِثْ لَهُ قُوَّةً غَيْرَ النَّزْعِ إنَّمَا أَحْدَثَ فِيهِ ضَعْفًا.
وَلَوْ رَمَى وَالشَّنُّ مَنْصُوبٌ فَطَرَحَتْ الرِّيحُ الشَّنَّ أَوْ أَزَالَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ يَقَعُ سَهْمَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَرْمِيَ بِذَلِكَ السَّهْمَ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ زَالَتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ الشَّنُّ عَنْ مَوْضِعِهِ بِرِيحٍ أَوْ إزَالَةِ إنْسَانٍ بَعْدَ مَا أَرْسَلَ السَّهْمَ فَأَصَابَ الشَّنَّ حَيْثُ زَالَ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ أُزِيلَ فَتَرَاضَيَا أَنْ يَرْمِيَاهُ حَيْثُ أُزِيلَ حُسِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابُهُ، وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ فَانْكَسَرَ سَهْمُهُ أَوْ خَرَجَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ لَهُ خَاسِقًا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ وَهَذَا كَنَزْعِ الْإِنْسَانِ إيَّاهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُ.
وَلَوْ تَشَارَطَا أَنَّ الصَّوَابَ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّنِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute