للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْفَارِّينَ بِكُلِّ حَالٍ، أَمَّا الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ السَّخَطُ فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَلُّ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا وَالْمُتَحَرِّفُ لَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ وَالْفَارُّ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُلْت أَوْ كَثُرَتْ كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مُنْتَئِيَةً عَنْهُ سَوَاءٌ إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ وَالْمُتَحَيِّزُ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ إنَّهُ إنَّمَا تَحَرَّفَ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ أَوْ تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَخَطِهِ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى خِفْت عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَإِذَا تَحَرَّفَ إلَى الْفِئَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَى الْعَدُوِّ فَيُقَاتِلَهُمْ وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْآنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوَّلًا أَنْ يَتَحَرَّفَ وَلَا بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ وَقَدْ بَارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيٌّ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارَزَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مُرَحِّبًا يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَاسِرًا وَبَارِز يَوْم الْخَنْدَقِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ وَإِذَا بَارَزَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ أَوْ يُدْعَى إلَى الْمُبَارَزَةِ فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَهُ وَاحِدٌ فَقَدْ تَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ فَضَرَبَ عُبَيْدَةُ عُتْبَةَ فَأَرْخَى عَاتِقَهُ الْأَيْسَرَ وَضَرَبَهُ عَتَبَة فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَأَعَانَ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ فَقَتَلَا عُتْبَةَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَأَمَّا إنْ دَعَا مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكٌ مُسْلِمًا إلَى أَنْ يُبَارِزَهُ فَقَالَ لَهُ لَا يُقَاتِلُك غَيْرِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى مُبَارَزَةِ الْوَاحِدِ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَعًا سِوَى الْمُبَارِزَيْنِ أَحْبَبْت أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِنْ وَلَّى عَنْهُ الْمُسْلِمُ أَوْ جَرَحَهُ فَأَثْخَنَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَبَارُزِهِمَا فَلَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قَدْ انْقَضَى وَلَا أَمَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمَنَ مِنْهُمْ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَخْرَجِهِ مِنْ الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ قَتْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ لَهُ فَخَافُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ يُجْرَحُ الْمُسْلِمُ فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَنْقِذُوا الْمُسْلِمَ مِنْهُ بِلَا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ وَإِنْقَاذَ صَاحِبِهِمْ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ وَلَوْ عَرَضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ أَنَا مِنْكُمْ فِي أَمَانٍ قَالُوا نَعَمْ إنْ خَلَّيْتنَا وَصَاحِبَنَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَقَدَّمْنَا لِأَخْذِ صَاحِبِنَا فَإِنْ قَاتَلْتنَا قَاتَلْنَاك وَكُنْت أَنْتَ نَقَضْت أَمَانَك فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ لَا يُعَانُ الرَّجُلُ الْبَارِزُ عَلَى الْمُشْرِكِ قَاهِرًا لَهُ؟ قِيلَ إنَّ مَعُونَةَ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ عَلَى عُتْبَةَ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَبِيدِهِ قِتَالٌ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عَنْهُ فَإِنْ تَشَارَطَا الْأَمَانَ فَأَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ الْمُبَارِزِ لَهُ وَلَا يَقْتُلُوا الْمُبَارِزَ مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ اسْتَنْجَدَهُمْ عَلَيْهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا تَحَصَّنَ الْعَدُوُّ فِي جَبَلٍ أَوْ حِصْنٍ أَوْ خَنْدَقٍ أَوْ بِحَسَكٍ أَوْ بِمَا يُتَحَصَّنُ بِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمُوا بِالْمَجَانِيقِ وَالْعَرَّادَاتِ وَالنِّيرَانِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ وَكُلُّ مَا يَكْرَهُونَهُ وَأَنْ يَبْثُقُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ لِيُغْرِقُوهُمْ أَوْ يُوحِلُوهُمْ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمْ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ وَالرُّهْبَانُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا لِأَنَّ الدَّارَ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلَامٍ وَلَا عَهْدٍ وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ أَنْ يُحَرِّقُوا شَجَرَهُمْ الْمُثْمِرَ وَغَيْرَ الْمُثْمِرِ وَيُخَرِّبُوا عَامِرَهُمْ وَكُلَّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت وَفِيهِمْ الْوِلْدَانُ وَالنِّسَاءُ الْمُنْهَى عَنْ قَتْلِهِمْ؟ قِيلَ الْحُجَّةُ فِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أَوْ عَرَّادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا» أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّقَ أَمْوَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>