بِالْعَوْرَةِ مِنْ عَوْرَاتِهِمْ هَلْ يُحِلُّ ذَلِكَ دَمَهُ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مُمَالَأَةِ الْمُشْرِكِينَ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): لَا يَحِلُّ دَمُ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ إيمَانٍ ثُمَّ يَثْبُتُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى عَوْرَةِ مُسْلِمٍ وَلَا تَأْيِيدُ كَافِرٍ بِأَنْ يُحَذِّرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَ مِنْهُ غِرَّة لِيُحَذَّرَهَا أَوْ يَتَقَدَّمَ فِي نِكَايَةِ الْمُسْلِمِينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ، فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَقَلْت هَذَا خَيْرٌ أَمْ قِيَاسًا؟ قَالَ قُلْتُهُ بِمَا لَا يَسَعُ مُسْلِمًا عَلِمَهُ عِنْدِي أَنْ يُخَالِفَهُ بِالسُّنَّةِ الْمَنْصُوصَةِ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: فَذِكْرُ السُّنَّةِ فِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَك مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْت إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا لَا كُفْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَدْ صَدَقَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ قَالَ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ مَا وَصَفْنَا لَك طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ كَمَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ شَاكًّا فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا رَغْبَةً عَنْ الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا اُحْتُمِلَ فِعْلُهُ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ وَلَا أَحَدٌ أَتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَعْظَمُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَايِنٌ فِي عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ فَإِذَا كَانَ مَنْ خَابَرَ الْمُشْرِكِينَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ غِرَّتَهُمْ فَصَدَّقَهُ مَا عَابَ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ مِثْلَ مَا قَبِلَ مِنْهُ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَدْ صَدَقَ إنَّمَا تَرَكَهُ لِمَعْرِفَتِهِ بِصِدْقِهِ لَا بِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَغَيْرَهُ فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَاذِبُونَ وَحَقَنَ دِمَاءَهُمْ بِالظَّاهِرِ فَلَوْ كَانَ حُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاطِبٍ بِالْعِلْمِ بِصِدْقِهِ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْقَتْلَ بِالْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ فِي كُلٍّ بِالظَّاهِرِ وَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ السَّرَائِرَ وَلِئَلَّا يَكُونَ لِحَاكِمٍ بَعْدَهُ أَنْ يَدَعَ حُكْمًا لَهُ مِثْلَ مَا وَصَفْت مِنْ عِلَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ عَامٌّ حَتَّى يَأْتِيَ عَنْهُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ خَاصًّا أَوْ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ سُنَّةً أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَفَتَأْمُرُ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مِثْلَ هَذَا بِعُقُوبَةِ مَنْ فَعَلَهُ أَمْ تَرْكُهُ كَمَا تَرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْعُقُوبَاتِ غَيْرُ الْحُدُودِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَلَا تُعَطَّلُ بِحَالٍ وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ فَلِلْإِمَامِ تَرْكُهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «تَجَافَوْا لِذَوِي الْهَيْئَاتِ» وَقَدْ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute