الصَّدَاقَ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ الْأَلْفَ الَّتِي زَادَتْهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ نِصْفُ صَدَاقِهَا لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ بِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَلِمَ لَهَا حِينَ عَتَقَ فَصَارَ صَدَاقُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَرَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَرَاك أَنْزَلْت صَدَقَاتِ النِّكَاحِ مَنْزِلَةَ الْبُيُوعِ وَأَنْتَ تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَيَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ بِالْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قِيلَ لَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ قِيلَ إنَّا لَمَّا جَعَلْنَا - وَلَمْ يُخَالِفْنَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ - النِّكَاحَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَقُلْنَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مَجْهُولًا فَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يُرَدُّ النِّكَاحُ كَمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ بِالشَّيْءِ الْمَجْهُولِ يَهْلِكُ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي وَفِي الْبَيْعِ الْمَعْلُومِ فِيهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ فِيهِ قِيمَتُهُ حَكَمْنَا فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ حُكْمُهُ لَا يَرُدُّ عَقْدَهُ أَنَّهُ كَبَيْعٍ قَدْ اُسْتُهْلِكَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَوْمَهُ أَوْ سَاعَتَهُ فَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ عَيْنٌ تُرَدُّ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا يَكُونُ لِلْمُتَنَاكِحَيْنِ خِيَارٌ لِمَا وَصَفْت.
قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَصْدَقَهَا أَلْفًا وَرَدَّتْ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالصَّدَاقُ بَاطِلٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا لِأَنَّ حِصَّةَ الْخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْأَلْفِ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّهَا مَقْسُومَةٌ عَلَى أَلْفٍ وَصَدَاقِ مِثْلِهَا. وَهَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى إنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ أَلْفًا كَانَ الصَّدَاقُ بَاطِلًا وَهِيَ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَزِيَادَةُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَزِيَادَةٍ كَانَ الرِّبَا فِي الزِّيَادَةِ أَوْ النِّكَاحِ بِلَا حِصَّةٍ مِنْ الْمَهْرِ فَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْأَلْفِ.
وَهَكَذَا لَوْ نَكَحَهَا بِمِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ مِائَةَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهُ مِمَّا فِي الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِ الرِّبَا لَمْ يَجُزْ فَلَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ حَتَّى يُسَمِّيَ حِصَّةَ مَهْرِهَا مِمَّا أَصْدَقَهَا وَحِصَّةَ مَا أَخَذَ مِنْهَا، فَإِذَا أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنَّ حِصَّةَ مَهْرِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَانَ هَذَا فِيمَا فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِ الرِّبَا فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا جَائِزٌ. وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ قَالَ لَوْ أَصْدَقَ امْرَأَتَيْنِ أَلْفًا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَقُسِمَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مُهُورِ مِثْلِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِيهَا بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِ إحْدَاهُمَا أَلْفًا وَمَهْرُ الْأُخْرَى أَلْفَيْنِ فَيَكُونُ لِصَاحِبَةِ الْأَلْفِ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَلِصَاحِبَةِ الْأَلْفَيْنِ ثُلُثًا الْأَلْفِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا عَتَقَ سَاعَةَ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا كَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَيَتِمُّ تَمَلُّكُهَا الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ يُنْقِصُهُ عُشْرَ قِيمَتِهِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِعُشْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ أَبِيهَا يَوْمَ قَبَضَتْهُ مِنْهُ.
وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَبُوهَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَتْهُ مِنْهُ وَلَا يُرَدُّ عِتْقُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْلَسَتْ أَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهِيَ مُفْلِسَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِصْفُهُ وَلَا لِلْغُرَمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهِيَ مَحْجُورَةٌ كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَصَدَاقُ أَبِيهَا بَاطِلًا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا عَلَيْهِ مِلْكٌ وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَحْجُورَةً فَأَمْهَرَهَا أُمَّهَا بِأَمْرِ أَبِيهَا وَهُوَ وَلِيُّهَا أَوْ وَلِيٍّ لَهَا غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَبِيهَا وَلَا لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا وَلَا يَشْتَرِيَ لَهَا مَا يُعْتِقُ عَلَيْهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ، قَالَ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْجُورَةٍ فَأَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَلْفَانِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ أَبِيهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُمِائَةٍ نِصْفُ الْأَلْفِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهُوَ يَسْوَى أَلْفًا عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ أَبَاهُ وَهُوَ يَسْوَى أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَبُوهُ بِيعَ لَهُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَبِأَبِيهَا وَنِصْفُ أَبِيهَا لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute